أنت هنا

قراءة كتاب فقه الهجرة إلى الله في ظلال الحكم العطائية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فقه الهجرة إلى الله في ظلال الحكم العطائية

فقه الهجرة إلى الله في ظلال الحكم العطائية

أما بعد، فحكم ابن عطاء الله السكندري يكسوها جلال من نوع خاص، أصله قلب عرف الله ذا الجلال، فصدرت عنه إشارات على طريق معرفة الحق الأعظم في الوجود، من أرقى ما صدر عمن سوى الانبياء، تحس جلالها بلا تكلف، حيث: (كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز)، وكسوة ق

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 6

• كيف أدعو؟:

إن من الأدب مع خالقك أن تعلم أن دعاءك من مظاهر عبوديتك وقيامك بحق ربوبيته: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60)، فالدعاء مخ العبادة، وليس مجرد طلب للعطاء، فـ(لا يكن طلبك تسبباً إلى العطاء منه، فيقل فهمك عنه، وليكن طلبك لإظهار العبودية وقياماً بحق الربوبية)، ليجيبك ويهديك إليه، ويفتح لك وجهة للتعرف عليه، بابها معرفة قدرك ومدى فقرك إليه، لأن لهذا الدعاء أدباً خاصاً، في المعاملة بين عبد صغير وبين الملك الحق، أصله فقرك إلى الله، و(ما طلب لك شيء مثل الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب إليك مثل الذل والافتقار)، و(ما الشأن وجود الطلب، إنما الشأن أن ترزق حسن الأدب)، ومتى رزقت أدب الذل إلى ربك العظيم فأبشر بعاجل حصول الطلب، فـ(لا تطالب ربك بتأخر مطلبك، ولكن طالب نفسك بتأخر أدبك).
• ماذا أطلب؟:

إعلم أن خير ما تطلبه من ربك: الهداية إليه، ليعرفك بنفسه، ولتكون له عبداً، فإن (خير ماتطلبه منه: ما هو طالبه منك)(18) ، وأما ما قسمه لك من معيشة في الحياة الدنيا فهو أمر مفروغ منه منذ الأزل، و(جل حكم الأزل أن ينضاف إلى العلل)، و(كيف يكون طلبك اللاحق سبباً في عطائه السابق!؟)، ولمعرفتهم ذلك من ربهم، قد ينشغل العارفون بذكره عن مسألته، ويدعونه بلسان الحال بدل لسان المقال: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) (البقرة: 144)، إذ (ربما دلهم الأدب على ترك الطلب؛ إعتماداً على قسمته؛ واشتغالاً بذكره عن مسألته)، ورضواناً بما قسم لهم وبعلمه فيهم وبما يصلحهم ويصلح لهم، وهو الحي القائم على كل نفس بما كسبت، و(إنما يُذَكَّر من يجوز عليه الإغفال، وإنما ينبه من يمكن منه الإهمال)، وربك القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، فلا تظنه ينساك، بل ظن بنفسك بعدك عنه، حين لا تستحيي أن تكون أكبر همتك لتحصيل من سواه، أو يقصر نظرك إلى أن تطلب ممن سواه ما لا يملكه إلا الله، والحق أن (طلبك منه: اتهام له، وطلبك له: غَيبة منك عنه، وطلبك لغيره: لقلة حيائك منه، وطلبك من غيره: لوجود بعدك عنه)، فاستيقظ من غفلتك وغيبتك عنه، واستحي من بُعدِك وقلة حيائك منه، وعود قلبك الرضا بما قضاه، وهو طريقك للرضا به دون سواه، واسأله -بعبوديتك له-، أن يجعلك -بربوبيته لك- كما يحب: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة: 5) ، وليكن خير دعائك: (إهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة: 6).(19)
رابعاً: ماذا أفعل؟ (روح الأعمال): (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 105)
• الإخلاص: روح العمل

وإنما الصراط المستقيم: تحقيق (الاخلاص لله) في نفسك: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (الزمر: 3)، وأنت معظم مقيم لشعائر الله وشرائعه؛ وعامل لتحقيق (العدل) وهو أدبك مع الخلق: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) (النحل: 90)؛ وعامل لتحقيق (الاصلاح) في الأرض وهو أدبك مع الجمادات: (هُوَ أَنْشَأَكُمْمِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود:61)، ومهما أقمت العدل وأردت الإصلاح في عملك فإن (الأعمال: صورقائمة، وأرواحها: وجود سر الاخلاص فيها) (20)، وهو إخلاص تشهد فيه خلق الله لعملك وأنه ليس لك من الأمر شئ حتى وأنت تطيع، مثلما أنك تستصغر أي عمل منك بجانب عظمة من أخلصت له، فـ(لا عمل أرجى للقلوب من عمل يغيب عنك شهودُه، ويُحتقر عندك وجودُه)، وبهذا الزهد بما قدمت يُبارَك لك في قبوله، و(ما قل عمل برز من قلب زاهد، ولا كثر عمل برز من قلب راغب)، وإنما (المؤمن يشغله الثناء على الله، عن أن يكون لنفسه شاكراً، وتشغله حقوق الله، عن أن يكون لحظوظه ذاكراً)، وأعظم النعمة أن ترزق الطاعة وتشهد أنها (به) كانت، ويجتمع القلب منك ليكون كله (له) وحده، و(متى رزقك الطاعة، والغنى به عنها، فاعلم: أنه قد أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة)، واعلم أنه (لولا جميل ستره لم يكن عمل أهلاً للقبول)، ومن ذا الذي يخلص قلبه من العجب والرياء إن نسب (لنفسه) طاعة رب الأرض والسماء، فـ(أنت إلى حلمه إذا أطعته، أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته)، فلا تشغل نفسك بذكر حظك من عملك، إذ (متى طلبت عوضاً على عمل: طولبت بوجود الصدق فيه، ويكفي المريد وجدان السلامة).

الصفحات