أخذ الرواية منحى السيرة، أو ما يشبه سيرة 'العائد'، تصدرها إهداء زقطان لمحمود درويش 'أكتب لأشكرك'، ومقطع طويل من قصيدة درويش 'على محطة قطار سقط عن الخريطة'.
أنت هنا
قراءة كتاب عربة قديمة بستائر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
عربة قديمة بستائر
الصفحة رقم: 8
هل لاحظت «مدام» و«لو سمحت»؟!
بدا الوقت مناسباً ليتذكر «هند»، الفتاة المحتجة على السمين هي التي دفعتها إلى ذاكرته، الاحتجاج تحديداً، الأداء، اللهجة والضحكة الملتبسة التي ختمت بها احتجاجها. هند التي لم يستطع أن يعرف، بالضبط، أو يتكهن ما الذي تريده منه.
لهذا فقط، ربما، حافظ على دوره في علاقتهما الغريبة كمستمع صامت وفضولي. كان يجلس أمامها بعينين مفتوحتين وملامح محايدة، وبينهما صينية عليها فناجين قهوة وركوة ومنفضة سجائر ممتلئة حتى حافتها بأعقاب السجائر الملطخة بأحمر الشفاه، ولم يكن من السهل أن يمنع مخيلته من بناء مشهد مغاير تماماً، فيما هي تتحدث مستخدمةً يديها وصدرها وعينيها وجسدها، لا يمكن استخلاص أي شيء من كل هذه الاندفاعات التي تقوم بها، كانت تلقائية ومباشرة، وثمة خيط من العنف يشوب حركتها، لولا الإنهاك الدائم تحت جفنيها لبدت أصغر بعشر سنوات، كان جسدها مشدوداً، صدرها ونهداها، تحديداً، ثم تأتي ضحكتها التي لا تخلو من مجون، فالكلام المباشر والصور والتشبيهات التي لا تخلو من سوقية صادمة، فالشتائم التي تبرز في ثنايا الحديث مثل سلسلة من الجمل المعترضة...
كل ذلك كان يربكه وهو يحاول، جاهداً، أن يغلق تلك النافذة في مخيلته، النافذة التي تواصل بعثها، ودون توقف، عارية من قميصها بنهدين مندفعين وصدر مكشوف وضحكة ماجنة، بينما هي تواصل سرد حكايات لا تنتهي، وتذهب في كل الاتجاهات دون توقف، بحيث بدا أنها تزرع حركته بسلسلة طويلة من الإشارات، إشارات كان يجدها حوله أينما ذهب، ثمة حكاية تنتظر، دائماً، عند المنعطف أو إشارة في الطريق أو تشبيه، وكان عليه أن يجد طريقه وسط هذه الشبكة من الإشارات التي تؤدي كل منها إلى حكاية، كأن يسمع صوتها من مكانه أمام هذه المجندة، وهي تقول:
عندما عبرت الجسر للمرة الأولى في حياتي، بحقيبة ظهر صغيرة وخمس وثلاثين سنة، أخطأت الممر، دخلت ممراً مختلفاً على ما أظن، أنت تعرف، لا أستطيع أن أتصرف في مثل هذه المتاهات، ناداني الجندي الإسرائيلي، كان يحاول أن يكون لطيفاً، أنت تعرف كيف يحاولون دائماً أن يكونوا لطفاء، كنت أحدق في وجهه وسلاحه وملابسه وضجره، بينما هو يواصل ترداد جملته الوحيدة التي تبدأ بـ: يا مدام، كان يتكئ هنا كثيراً على «يا مدام»، قبل أن يكمل: