أنت هنا

قراءة كتاب عربة قديمة بستائر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عربة قديمة بستائر

عربة قديمة بستائر

أخذ الرواية منحى السيرة، أو ما يشبه سيرة 'العائد'، تصدرها إهداء زقطان لمحمود درويش 'أكتب لأشكرك'، ومقطع طويل من قصيدة درويش 'على محطة قطار سقط عن الخريطة'.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
الطريق إلى «زكريا»
 
وصل «زكريا» متأخراً، و«زكريا» اسم قريته المحتلة منذ العام 1948 هناك وُلد والده وولدت أمه، وثمة صورة باهتة لا تفي بشيء، كانت في أحد أدراج البيت، صورة معذّبة، تتلخص مهمتها في إسناد كل تلك الروايات التي تتراكم في منزل العائلة، طَيف بعيد من أشجار حرجية، وفي أقصى اليمين أشباح لبيوت منخفضة، هذا تقريباً كل شيء، ولهذا، ربما، بدت منهكة وباهتة ومغلقة على صبرها العجيب، ليس من السهل أن تكون مهمتها بهذه القسوة، وأن تتحمل اتكاء كل تلك الذكريات المتضاربة والحنين الذي امتلأت به الروايات.
 
كان لـ «زكريا» أكثر من مشهد؛ رواية الأب المبنية على الطريق والحرش وخطّ البحر المحروس من التلّ، ورواية العم المحاصرة، تماماً، في مقام النبي زكريا وحلمه المتكرر عن احتفال الجنّ تحت أقواسه، فيما كان هو بين النوم واليقظة. لقد مات الاثنان الآن، لم يعد هناك من يتذكر كل هذه الأشياء، ليست ثمة أعراس للجنّ في أحلامنا أو طرق ضيقة وشائكة تذهب إلى الحرش وتقطعه مثل خطّ زلزال، لم يعد هناك أولاد يصعدون التل ليروا خطّ البحر الذاهل، أولئك الذين كانوا آباءنا وماتوا.
 
رواية أمه المبنية على الوصف وليس على السرد تبدو أكثر دقة، ليس ثمة افتخارات هنا، الصمت والغياب هما النص، مقاطع قصيرة من أغنيات مرتجلة، مثل نحنحات في أطراف لوحة معنية بالتفاصيل، الحوش، العليّة، العتبات الواطئة، ورواية مبهجة عن الرجل الذي كان يسعى خلف حبيبته على الدروب الضيقة، وهو يدلق زجاجات العطر، التي أحضرها من يافا، على آثارها.
 
الرواية المكتوبة عن المكان تذهب ابعد من ذلك، كانت تتراكم بين التل والمقام وأطراف السهل حيث الخرائب وفيها خلق كثير، وكان عليه أن يجد متسعا من الأرض يكفي لكل هذا الخليط المتداخل من الآلهة والجيوش، كان الكنعانيون قد اختاروا التل المشرف على السهل الساحلي لمدينتهم التي سموها «أزكاح»، كانت أقرب إلى حصن للدفاع عن عمق البلاد أمام جيوش الفراعنة التي تصعد من الجنوب وقد أنهكتها غزة، كان الموقع آخر موقع يسقط في اجتياح سنحاريب الأشوري والى التل وصل يوشع، وهناك بالضبط وصل عمر بن العاص وجيشه حاملا وصايا أبو بكر، «لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة.....، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له....» كان يحب تلك الخطبة ووصاياها العشر التي جمعت الناس والشجر والحيوان وقسمتهم وسارت فوق الجيش مثل غيمة، كان التباس النخل في الخطبة يعجبه كثيرا، النخلة لم تكن شجرة تماما، كانت تقف هناك في الالتباس بين الناقة والشجرة، لقد أخرجتها الوصية من مملكتها ومنحتها روحا وقلبا وساقين يجب أن لا يعقرا، تذكر تلك الخطبة عندما تعثر بمذبحة الرهبان في وادي القلط، كما رواها الكتاب التبشيري الذي احتفظ به في العلبة، وكان يحب «إننا لم نفعل ذلك».
 
سأل يهوديا عراقيا مسنا من الذين احتلوا القرية، كان يجلس في الساحة المحاطة بأشجار معمرة، عن مقام الصالحي، حيث دفن المسلمون قتلى «أجنادين»، هز اليهودي العراقي كتفيه بدهشة، قبل أن يجيبه بلهجة بغدادية واضحة:

الصفحات