أنت هنا

قراءة كتاب عربة قديمة بستائر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عربة قديمة بستائر

عربة قديمة بستائر

أخذ الرواية منحى السيرة، أو ما يشبه سيرة 'العائد'، تصدرها إهداء زقطان لمحمود درويش 'أكتب لأشكرك'، ومقطع طويل من قصيدة درويش 'على محطة قطار سقط عن الخريطة'.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
من هون لو سمحت،
 
هل لاحظت «مدام» و«لو سمحت»؟! شخص بملابس عسكرية كاملة وخوذة وبندقية «إم16 » مذخرة يصوبها نحو عينيك يخاطبك:
 
يا مدام من هون لو سمحت!!
 
كان يحفظ تلك الجملة بجهد ويرددها بجهد مضاعف، ويتمسك بها كما لو أنها هي التي ستمنحه حق أن يرشدني إلى مكاني!! وكان يُكَسّر العربية، كانت الحروف المنطوقة بالعربية مهانة، تماماً، هي خلاصه ووسيلته ليس للتحدث معي، ولكن لإنشاء علاقة مع التلال الملحية البيضاء المحيطة بالمكان ومع نخلات قصيرة وسخيفة للزينة تناثرت حوله، وخلفها ووراء كل هذا أريحا القديمة...، علاقة مشروخة ومدعاة، وكان يعرف ذلك جيداً. لذلك، ربما كان يلمس بندقيته، بحركة لا إرادية، وكان يتوه تماماً بعد إكماله الجملة العربية المهدمة التي يرددها، ويكرر بعض مقاطعها وكأنما ليطيل صلته باللغة:
 
يا مدام.. من هون لو سمحت،
 
أشرتُ إلى الهواء الذي فوق كتفيه، وقلت:
 
ولكنهم لا يسمحون،
 
يا مدام.. يا مدام من هون لو سمحت،
 
يا مدام.. من هون.. من هون لو سمحت.
 
يا مدام.. من هون لو سمحت لو سمحت.
 
كنت أعرف أنني أعبث، ولكن ما الذي يمكن أن أفعله سوى ذلك! واصلت الإشارة إلى الهواء، وكان يحدق في الفراغ الذي أشير إليه، ثم بدأت أعدد أسماءهم واحداً واحداً؛ كل أولئك الذين قُتلوا هناك أو لم يتمكنوا من العودة وواصلوا وقوفهم على البوابات، وكان يحاول أن يفهم، ويواصل التراجع والضغط على بدن بندقيته وكأنما ليؤكد وجوده لي، أو ليتأكد من مكانته التي بدا أنها تهتز وتتفكك، وكنت أتقدم نحوه وأنا أعدد الأسماء، ثم بدأ بالصراخ بعبرية لم أفهمها، أظن أنه كان يشتمني، وكنت أصرخ بعربيتي، وأواصل مناداتهم والتشبث بهم، ولم يعد هناك أي عبث:
 
قتلاي لا يسمحون.
 
ثم أضافت فيما يشبه خاتمة موجهة له:
 
صدقني نحن نستحق أعداء أفضل من هؤلاء.
 
* * *

الصفحات