هذه الرواية، تروي مسيرة فردة الحذاء تلك طوال فترة ثمانين عاماً، على أمل أن أتمكن من رواية مسيرة فردة الحذاء الثانية في رواية لاحقة.
أنت هنا
قراءة كتاب أستيك الحاج فياض
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
[3]
دخلنا إلى الغرفة ونزعت مايا معطفها فساعدتها وتناولته منها وعلقته على المشجب وكذلك نزعت معطفي وقبعتي وعلقتهما واعتذرت منها على الفوضى الضاربة أطنابها في الغرفة قائلاً إنها غرفة شباب في بيت طلبة فابتسمت دون أنْ تعلّق بل أخذت تجول بنظرها على الصور المعلقة على جدران الغرفة وبعضها كان صوراً لفتيات شبه عاريات فاعتذرت منها لافتاً نظرها أنّها هواية زميلي المجري في الغرفة فابتسمت دون تعليق فأشارت بيدها ونظرها إلى صورة معلقة فوق طاولتي فقلت لها إنها الصورة المفضلة التي تساعدني كثيراً في تحمُّل الصعاب والصورة مأخوذة من مجلة ألمانية ومكتوب تحتها باللغة الألمانية التي أجهلها. ولكن الصور لطفلين في حوالي الثانية من عمرهما جلس أحدهما إلى «النونية» وحمل النونية الثانية بكلتا يديه والطفل الآخر وأقف نصف عار ويحاول انتزاع نونيته من يد الآخر والطفلان يبكيان ودموعهما تسيل على خديهما. فضحكت كثيراً للمشهد وقالت إنه فعلاً مشهد معبِّر فقلت لها هذا المشهد يعبّر عن كل فلسفة الحياة فقالت فعلاً إنها معبرة.
في هذه الأثناء باشرت أنا بتحضير القهوة والركوة والماء وأردت وضعها على النار لكنّها طلبت إليّ أنْ انتظر قليلاً حتى ترتاح وبعدها نشرب القهوة ففهمت الأمر على أنّه رسالة أخرى ايجابية واعتبرت أنّني لست بحاجة إلى الكثير من المقدمات التي يحتاجها الشاب في مثل هذه الظروف خاصة وأن مايا ناضجة تضج بالأنوثة ومفعمة بالحيوية والنشاط فهي في أوائل العقد الثالث من عمرها وتكبرني بعدة سنوات سمراء سوداء العينين رشيقة القوام مليئة الصدر طويلة القامة مع أنف كبير إلى حد ما بحيث كدت أشك بأنْ تكون نورية «سيغان» أو عربية بكل تفاصيلها.
ذهبت إلى باب الغرفة وأغلقته بالمفتاح واقتربت منها وكانت تجلس إلى حافة السرير ومرّرت يدي على شعرها حتى وصلت إلى رقبتها فبدأت بالارتعاش وكأنَّ القشعريرة قد أصابتها وبدأ جسمها ينتفض فتكورت على ذاتها وضمت ركبتيها إلى صدرها وطوقتهما بذراعيها وبدأت ترتعش وتصطك أسنانها فذهلت لهذا المنظر وارتبكت وأصابني خوف شديد واحترت ماذا أقول لها أو ماذا أفعل ولم يكن بإمكاني إلا أنْ أتناول الحرام الموجود على التخت الآخر وألفها به محاولاً أنْ استنطقها عمّا بها وماذا أصابها فلم تتمالك نفسها على الحديث بشيء أو حتى الإشارة بشيء. فتعوذت بالله على هذه الورطة التي وضعت نفسي بها وجلست على كرسي ووضعت رأسي بين يديّ محاولاً التفكير بإيجاد حل ما.
مضى وقت ظننته دهراً حتى هدأت صاحبتي عن الارتجاف وحاولت التكلم ببعض الاعتذار من فمها وبعض الإشارات من يديها. بعدها غرقت في بكاء شديد حتى خشيت أن يُسمع بكاؤها خارج الغرفة ويتهمني أحدهم بإيقاع الأذية بها فبدأتُ أتوسل إليها بصوت خافت حتى لا تثير ضجة وأدفع أنا ثمنها. فخفت بكاؤها وفي هذه الأثناء أخذت يدي بكلتا يديها ووضعتها على فمها فابتلّت يدي ويداها بالدموع وبدأت تلثم يدي وتشير إليّ بيدها الثانية أن أصبر عليها بعض الشيء. فأطعتها وخلعت يدي من يديها ووقفت وبدأت بتحضير فنجان من القهوة. وما إنْ حضّرته حتى كانت قد هدأت كلياً فشربنا القهوة. وحاولت بعدها أن تبدأ بالكلام ولكني أشرت عليها أن تؤجل الكلام في الوقت الحاضر. فرضيت لكنّها بدأت تعتذر مني وبإلحاح مما دفعني أن أقول لها إنّها إنْ أرادت رؤيتي مرة ثانية لتتوقف عن الاعتذار وإنّني سأوصلها إلى موقف الأتوبيس متى تشعر بأنّها مرتاحة. وإنْ شاءت فأنا على استعداد أنْ أوصلها بالتكسي إلى بيتها إنْ تطلّب الأمر ذلك. لكنّها طلبت أن أوصلها إلى موقف الأوتوبيس فقط. وهذا ما فعلته واتفقنا على أن نتواصل فيما بعد.
عدت إلى غرفتي ولم أستطع استيعاب ما حصل. فقلت لنفسي ربما تكون قد أصابتها البردية بسبب برودة الطقس في الخارج وكمية النبيذ التي شربتها أو ربما أصابها عارض نسائي كالعادة الشهرية. وبصرف النظر عما أصابها قررت أن لا نستمر معاً في أية علاقة خاصة وأن العلاقة لم تبدأ والأفضل أن لا تبدأ بلا وجع رأس.
ومرت الأيام والأسابيع وأنا منشغل بدراستي في الجامعة أو مع فتيات أخريات ولم أكن مقصّراً في هذا المجال وإنْ يكن هناك من تقصير فقد يكون بدراستي في الجامعة ولكن ليس مع الفتيات. كنت ألاحظ الجد كاليلو مراراً أمام باب الكلّية. كنت أقول في نفسي إنّ ذلك قد يكون بسبب قرب السفارة من هنا. لذلك كنت إذا رأيته أقفل راجعاً حتى يتوارى أو أتوارى أنا جانباً حتى لا يراني وإنْ صادف والتقينا كنت أحييه وأحث الخطى حتى لا يكون هناك مجال للحديث. إلى أن كان ذات مرة ما إن نزلت من الأوتوبيس على الموقف القريب من مدخل الكلية حتى وجدته واقفاً عند المدخل فلما وصلت ابتسم وحياني فرددت التحية له. فبادرني بقوله. أنا اعلم بأنّك شاب لطيف وجيد وقبل أنْ يتابع أجبته إنّي أشكرك وأحترمك وأحترم مايا. على فكرة كيف هي مايا فأجابني إنّها بخير ولكني أرجو أنْ تعطيها فرصة. فتعجبت كثيراً لذلك فأردف قائلاً أعطِها فرصة تشرح لك وأراد أنْ يتابع فقلت له رجاءً يا جدي.
لا أريد أن أسمع شيئاً. وإنْ كان هناك ما يجب سماعه فأنا أفضّل أنْ يكون من مايا نفسها فارتاح الجد كاليلو وانفرجت أساريره فقال سأخبرها ذلك وستفرح كثيراً.


