أنت هنا

قراءة كتاب أستيك الحاج فياض

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أستيك الحاج فياض

أستيك الحاج فياض

هذه الرواية، تروي مسيرة فردة الحذاء تلك طوال فترة ثمانين عاماً، على أمل أن أتمكن من رواية مسيرة فردة الحذاء الثانية في رواية لاحقة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

كانت والدتي تحضّر الغداء وكان جدي في الحديقة وكنت أنا أطالع كتاباً في غرفة الجلوس عندما اقتحم البيت خمسة مسلحين. لم نسمع حديثهم مع جدي ولم نسمع عراكهم كل ما شاهدناه أنّهم دخلوا البيت من بابه المفتوح بحجة التفتيش ولما اعترضتهم أمي وحاولت الصراخ علَّ جدي يسمع كمّوا فمها وكذلك الأمر فعلوه معي وبدأوا بتفتيش البيت وقد جُنَّ جنونهم عندما شاهدوا في مكتبة والدتي بعض الصور لها مع مسؤولين حزبيين في المصنع الذي تعمل فيه ووجدوا صورة لستالين مخبأة في الدرج فجُنَّ جنونهم وبدأوا بضربنا وشتمنا ومن ثَمَّ اغتصابنا _ اغتصاب أمي أمام ناظري كلهم تناوبوا عليها وأجهشت بالبكاء حتى الاستفراغ فأحضرت لها سريعاً منشفة لتلتقط استفراغها وسكبت لها كوب ماء لتشرب ولم يكن في الغرفة لا حمام ولا مغسلة لذلك بللت لها منشفة بالماء الموجود في الغرفة ومسحت لها وجهها وحضنت رأسها محاولة تطييب خاطرها قدر الإمكان حتى ظننت بأنّها هدأت. لكنّها تابعت وهي تجهش بالبكاء وقالت كانوا يتناوبون على اغتصاب أمي أمامي ويحاولون اغتصابي دون ان يتمكنوا لأنّني كنت أُمانع ولأنّني عذراء إلى أن تمكن أحدهم من فض بكارتي فبدأ الوحوش الآخرون يصفقون له ويشربون نخبه ونخب صحته ويسكبون النبيذ الأحمر بين فخديّ حتى اختلط بالدم النازف مني فأغمي على أمي وتظاهرت أنا كذلك بأنّه أُغمي عليّ. بعدها حملوا كل ما تمكنوا من حمله من البيت وخرجوا يقهقهون.
ولما استيقظت وحاولت إيقاظ أمي التي كانت في غيبوبة. ولما استفاقت بدأت بالصراخ قائلة إنه يانوش نعم يانوش عرفته وأخفيت الأمر حتى لا يقتلنا إذا عرف بأنني أعرفه. إنه يعمل في المعمل القريب من المعمل الذي اشتغل فيه وكان على خصومة دائمة مع شاندور نعم الجبان جاء لينتقم إنها فرصتهم الآن للانتقام، إنني أعرف كيف أجعله يدفع حياته ثمناً لفعلته الشنيعة هذه. وقامت واحتضنتني وأنا أرتجف بين يديها من الخوف والرعب وأنتف شعري مرة وأحتضن أمي وأقبّلها مرة أخرى. فقامت ودخلت إلى الحمام واغتسلت سريعاً وأدخلتني إلى الحمام وساعدتني على الاغتسال وطلبت إليّ أنْ أتمالك أعصابي وأن لا أدع جدي يعلم بالأمر لأنّه قد يموت من فظاعة وبشاعة ما حدث هذا إنْ لم يكونوا قد قتلوه.
وخرجنا إلى الحديقة نفتش عن جدي فوجدناه مرمياً في زريبة الإوز بين روثها وقد أُوثقت يداه خلف ظهره وقيِّدت قدماه ورُبطت خرقة على فمه حتى لا يتمكن من الصراخ.
ولما فككنا وثاقه بدأ بالصراخ والسباب والشتائم وهو ينظر نحونا مستفهماً ماذا حدث لنا فأخبرناه بأنّهم أهانونا وضربونا وأوثقونا وسلبوا كل محتويات البيت، كل ما طالته أيديهم وخاصة المؤونة من لحوم مقددة ونبيذ. ولكن نظراته لم تصدّق ذلك واستمر في أسئلة عما إذا كانوا قد أصابونا بسوء مركزاً نظراته نحوي فكنت أشيح بوجهي عن نظراته وكذلك تفعل أمي حتى لا يرى دموعها المنهمرة ووجهها المبقع وبعض الخدوش في وجهها ويديها. وكانت كلما اختلت بي جانباً تطلب إليّ أن لا أضعف وانهار رأفة بجدي. قائلة لي دعيه يعيش في الشك أفضل من أن يعرف باليقين. لأن ذلك قد يقتله خاصة وأننا نعرف طبيعته وحنانه وعطفه علينا.
ومع ذلك كان جدي يصرخ ويشتم ويبكي ويعود لسؤالنا عما حدث ومن هم هؤلاء ويعود ليتحدّث عن الفوضى الضاربة في القرية وفي بودابست وفي البلد كلها ويخبرنا بأن فلاناً قد قتل وفلانة قد قتلت أما بيت فلان فقد أحرق وبأن الأوتوبيس قد أحرق على المحطة ولا يمكن لأحد أن يخرج من بيته والأفضل لنا أن نغلق بوابة الحديقة جيداً حفاظاً على الإوزات والدجاجات وكذلك أنْ نقفل أبواب المنزل ونوافذه جيداً وأنْ لا نفتح لأحد. وأحضر بعض الأخشاب والقطع الحديدية إلى داخل البيت لاستعمالها في الدفاع عند اللزوم.
كنا نوافقه على كل شيء وندعه يتلهى بتصوراته عن إمكانية الدفاع عن المنزل إذا بقينا مجتمعين. بينما في فترة خروجه من البيت إلى الحديقة لإحضار معداته الدفاعية كنا نستغلها للبكاء وتبادل المؤاساة أنا ووالدتي التي حاولت كثيراً أن تهوِّن الأمر عليّ. وكانت تقول لي المهم أنْ نبقى على قيد الحياة في هذه الفوضى.
هنا سألتها ألم يكن لكم أقارب في البلدة تلجأون إليهم؟
قالت بلى لقد التجأنا إليهم ولكن بعد فوات الأوان إذ أمضينا تلك الليلة في منزلنا وتقوقعنا على أنفسنا ونمنا في غرفة واحدة دون أنْ نعرف طعم النوم ولا الطعام رغم أنّنا كنا منهكين خائفين كنا نتظاهر بالنوم ليوهم أحدنا الآخر بأنّه نائم حتى طلع الصباح وبقينا على هذه الحالة عدّة أيام إلى أنْ خرجت أمي إلى الحديقة بحجة أنّها تقوم ببعض الأعمال ولما طال غيابها فتشنا عنها فلم نجدها في الحديقة ولا خارج البيت عندها التجأنا إلى أقاربنا ليساعدونا في التفتيش عنها ومكثنا عندهم فترة طويلة حتى هدأت الأوضاع كنا نأتي إلى منزلنا أنا وجدي على أمل أن نجد أمي قد عادت إليه ولكن دون جدوى.
هنا بدأت أهوّن عليها الأمر وأطيب خاطرها شارحاً لها بأنّه في الحرب الأهلية تحدث فظاعات وكوارث أكثر من ذلك بكثير. فأجابتني:
ـ صحيح ما تقوله وإنني اعتذر منك كثيراً لأنّني أزعجتك بماضيّ ومآسي وصدقني لو لم أفشل في الامتحان معك لما رويت لك ما رويت ولكني كنت أعيش أزمة دائمة بسبب ذلك اليوم. وكنت كلما تقرّب لي أحدهم أهرب منه عندما تصل العلاقة إلى المرحلة الجدية.
ـ أتريدين أنْ تقولي بأنّك لم تروِ تلك الحادثة لأحد.
ـ نعم لم أروها لأحد.
ـ حتى لجدك؟
ـ حتى لجدي لم أروها بكامل تفاصيلها.

الصفحات