كتاب لقصصي وحكاياتي جمعت فيه بعضاً مما مر بي خلال رحلة الحياة..
أنت هنا
قراءة كتاب أول الوجع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
أول الوجع
الصفحة رقم: 3
"عند باب الجامعة"
وأدعي أنني أقدر على الوقوف أكثر، وعلى الانتظار أكثر، وأدعي أن الاستمرار في عمل شيء هو جزء من كبرياء إنساني أمارسه ويمارسه غيري، وأدعي أن الانتصار حالة بلوغ ولحظة ليس إلا وسأعيشها بعد قليل... وأي حيوان لا يفعل إلا ما تعود عليه والقرد لن يكون غزالاً على الإطلاق.... قال لنفسه وهو يتأبط بعض الكتب وقد دس في ثنايا أحدها ظرفاً احتوى رسالة سيسلمها لها بعد قليل وليكن ما يكون.. أول مرة قابلها كانت هنا على باب الجامعة، يومها تمنى لو تتحدث معه أو تصافحه، يومها لم يتأملها جيداً ولا أظنها فعلت، قال لنفسه فقط. نظر إليها وأحس بشيء... انجذب نحوها وانجذبت نحوه، قالت له ذلك فيما بعد ودخلا معاً تقريباً كتفاً بكتف من هنا إلى حرم الجامعة.. هذا ما جرى يومها.. ولم يكن يعرفها ولا هي كانت كذلك تعرفه... لكن اليوم، أقصد بعد قليل لن يحصل أي شيء من هذا فقط عندما تأتي اليوم.. أقصد بعد قليل، سيتقدم نحوها ولا داعي لأن يتبادلا أية تحية، فقط سيعطيها الرسالة ويمضي.
بالمناسبة الرسالة ليست خطيرة وأرجو أن لا يتبادر إلى الذهن أنها ذات مضامين خاصة أو نسخة عن منشور سري أو أي شيء من هذا القبيل، فقط هي رسالة من تلك الرسائل التي يرسلها العشاق الفاشلون.. جميل هذا التعبير فليس من السهل أن يكون المرء عاشقاً، فكيف إذا كان فاشلاً.. سيكون الآن أصعب بطبيعة الحال.... أحس بالتفاهة.. ماذا يفعل هنا؟ وماذا ينتظر؟ طرد فكرة التفاهة التي طرأت في ذهنه وشد على الكتب تحت إبطه وقال... لا بد ستأتي... فلا يمكن أن تتركني هكذا عند باب الجامعة.. تأخرت.. لم تكن تتأخر قبل، قال ثم سكت خوفاً من أنْ يفضح مضمون الرسالة..كنت أتأخر أنا أما هي فلا...فلماذا تأخرت اليوم...لو كان هناك مقهى أو مكان أجلسُ فيه.. مقعد مثلاً.. لماذا لا يوجد مقاعد عند باب الجامعة أو أي شيء يخفف من عناء الانتظار المذل هذا... على أية حال لست وحدي من ينتظر، ها هم ما يقرب من عشرين نصباً إنسانياً متسمراً في مكانه عند باب الجامعة وبينهم فتيات أيضاً.. أشعر بحرجهن من هذه الوقفة. إذا كنت أنا الرجل الشرقي المعتد بنفسه جداً محرجاً حتى العظم فما بالك بهؤلاء الفتيات؟ لا يمكن.. كلنا في الهوى سوا.. نظر إلى نفسه ماذا يفعل هنا؟ نقل الكتب من تحت إبطه الأيمن إلى تحت إبطه الأيسر في محاولة لقتل الوقت.. كان بوده لو استند إلى جذع شجرة ليفتح كتاباً ويتشاغل فيه، لكن الأشجار كلها مشغولة.. تعرف الكثير هذه الأشجار عن الآلاف غيري وغيرها.. ولكنها تأخرت، ومن قال إنها ستأتي أصلاً؟ أنا متأكد من ذلك -قال لنفسه: فقد كان بإمكانها أنْ ترفض عندما طلبت منها ذلك، لكنها لم تفعل إذن ستأتي.. طأطأ برأسه وهو يتحسّس الكتب تحت إبطه نعم ماذا تريد؟ سمع هذه الجملة رفع رأسه كانت فتاة.. نعم ماذا تريد قالت.. نظر إليها ملياً حاول التأكد من ملامحها إنه يعرفها، يعرفها بشكل مؤكد، لكن لماذا لا يرد عليها.. لقد مضى على وقوفي أكثر من خمس دقائق! ماذا بك؟ تكلم.. ماذا تريد.. خمس دقائق ردد في سره وتجاوزها.. رفع يده، استجابت لها سيارة تاكسي صفراء، رمى نفسه بها.. وقال للسائق اطلع.. سأله إلى أين؟ قال له إلى أي مكان إلى المدى الرحب فقط خذني بعيداً عن هنا.. نظر خلفه فرأى بضعاً وعشرين نصباً إنسانياً متسمراً في مكانه ينتظر وفجأه رفعت النصب الإنسانية أذرعتها وامتد رتل طويل من السيارات الصفراء تترك باب الجامعة ووسط الشارع خطٌ طويلٌ من الأوراق المكورة..
تفقد كتابه، فلم يجد الرسالة..
أيار 1992