كتاب لقصصي وحكاياتي جمعت فيه بعضاً مما مر بي خلال رحلة الحياة..
أنت هنا
قراءة كتاب أول الوجع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

أول الوجع
الصفحة رقم: 6
" التعود "
يبدو أن الأمر أصبح واضحاً الآن.. لم يستطع سالم أن يوفر كل ما تريده لضيق ذات اليد، فقرر شيئاً ما؟؟ وكان مضطراً لفعلة ما ومجبراً عليها ليظهر أمام كفى بمظهر البطل الذي لا يعجز عن فعل أي شيء.. ضرب كفيه ببعضهما بغيظ مخرجاً زفرة طويلة أحس أنها حرقت جوفه.. كيف حدث كل هذا؟ سأل نفسه وهو يضرب بكفيه على صدغيه.. كيف حدث كل هذا؟ من أجل أن يرضيها ويلبي لها كل طلباتها دفع الكثير من جهده وعرقه وماله فيما مضى، والآن يدفع سمعته التي حرص عليها طوال عمره.. أين هو الآن؟.. في النظارة.. وما هي النظارة؟ إنها المكان الوحيد الذي لم يفكر فيه.. النظارة بوابة العبور إلى القيد الكامل، أنت فيها الآن يا سالم.. وبشكل لا إرادي بصق وراح يتفحص المكان.. كثيرون حوله أكثر مما كان يتخيل يحيطون به.. أوضاعهم تبدو مضحكة وقسماتهم تتراوح بين الرضا والسخط واللامبالاة والقلق والاسترخاء والتأمل.. أيّ تأمل من الممكن أن يكون هنا؟ كل يجلس بطريقة في مساحة لا تتعدى المترين أو أكثر بقليل.. واحد يضحك ويتكئ وآخر يتكئ ويضحك وغيره ساهم وآخر يضع رأسه بين ركبتيه وينتحب بصوت خفيض، وبين كل انتحابة وأخرى يرفع نظره إلى سقف النظارة ويتمتم، وآخر يمسك بقضبان نافذة الباب الضيقة ويمد بصره من خلالها ثم يرتد عن الباب طافحاً بخيبة الأمل.. لكل منهم قصة وحادثة وغلطةٌ ما قادته إلى هذا الجحر فأصبحوا مثل فئران تتنازع على فسحة، وتتحين فرصة.. أية فرصة ينتظر أي واحد فيهم؟ حتى هو أي فرصة ينتظر؟؟ هل تفتقده كفى التي فعل من أجلها كل ما فعل حتى وصل إلى هنا؟؟ تعب من التفكير فنهض وراح يدور في المساحة الضيقة كثور ساقية وهو يرطن بكلمات ظنَّ أنَّها ستخفف عنه وجيعته، وصار يردد بصوت مشروخ وكأنه أراد أن يسمع من حوله سبب وجوده بينهم.. المرأة..المرأة.. حريقة تحرق النسوان.. كل النسوان.. أجابه أحدهم وحد الله يا رجل، وإذا انحرقن كيف بدنا نعيش..!! انتبه.. ثم عاد ليقول.. لا ليست المرأة.. ليست المرأة.. هذه مقولة مغلوطة مشجب نعلق عليه كل الأخطاء ونتذرع به لنبرئ أنفسنا.. نعم ألم يهبنا الله عقولاً..؟ هو الرجل بأفقه الضيق وعدم احتماله وضعفه أمام غرائزه المجنونة ومحاولاته الدؤوبة لتحسين صورته كلها هي التي تقوده دائماً وتتحكم فيه وتوصله إلى الدرك الأسفل الذي هو فيه هنا.. نظر إلى الرجل الذي قاطعه قبل قليل واحتج عليه فأومأ له برأسه وكأنه فهم عليه، فارتاح قليلا وجلس.. أحس برطوبة تحته فوقف مذعوراً.. ونظر فعرف أنه جلس على بصقته..!! شيء مقرف قال لنفسه رغم أنها بصقته ورغم أنها منه.. ماذا لو كانت بصقة غيره قال لنفسه؟ لم يستطع أن يتحمل، ركض إلى السطل المركون في الزاوية وقذف كل ما في معدته وراح يبكي بكاءً مراً وهو يسمع ضحكات من حوله وشعر بيد تربت على كتفه وصوت الرجل الغليظ الذي قاطعه قبل قليل يقول" معلش بكرة بتتعود.