كتاب لقصصي وحكاياتي جمعت فيه بعضاً مما مر بي خلال رحلة الحياة..
أنت هنا
قراءة كتاب أول الوجع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
أول الوجع
الصفحة رقم: 4
"مساء الدهشة"
وكان مساء.. ومساء الدهشة لا يتكرر.. مفضوحة كل الأسرار الآن.. مفضوحة لأن لا أحد يسمعني الآن.. هي ليس مفضوحة إذن ما دام لم يسمعها أحد.. لا بل هي كذلك لأنني سأسمعها لنفسي.. لأول مرة.. منذ ذلك اليوم سأبوح بها.. ذلك اليوم؟! كان اليوم العاشر في الشهر العاشر من تلك السنة، أي سنة على وجه التحديد، لا يهم لكنه كان العاشر والمفروض أن العاشر هو أول شهر في الميلاد لكنه كان العاشر في الخيبة والحظ العاثر.. لا شيء ببالي الآن البته غير التمطي على قارعة الطريق ليراني الناس، هكذا كما أنا، فارغاً من كل شيء ولا أملك إلا حطام هذه الدنيا.. وحطام الدنيا معي ليس مالاً أو عقاراً أو ذهباً وإنما حطام دنياي حسرة.. قال هذا وزفر زفرة طويلة تخيل أنها ربما أحرقت قميصه فانتفض وكأن ناراً لسعته.. نهض وصرخ وركض وصرخ مرة أخرى وأخرى كذئب جريح، ثم أقعى من جديد على قارعة الطريق يلهث.. تطلع حوله فلم يرى شيئاً، الرصيف هو الرصيف والشارع هو الشارع فلماذا يلوم الدنيا.. لماذا يلوم أي أحد في الدنيا؟! لقد تركته هكذا؟! في العاشر من الشهر العاشر من تلك السنة.. دون سبب.. لا ليس دون سبب.. ولكنه كان سبباً واهياً على أية حال.. غضبت لأنه لاحقها يوماً أو هكذا أحست هي.. ولماذا تغضب؟! وصرخ بكل ما يملك من أوتار في حنجرته: من حقي أن ألاحقها، قال هذا وضحك ضحكة هستيرية بلهاء وهو يكرر: من حقي.. من حقي ثم بكى.. مرت إحدى الصبايا على الرصيف.. نثرت نفسها بعيداً مرتاعة عندما رأته.. ضحك وهو ينظر إليها تهرول من الخوف.. كان يتمنى لو رثت لحاله.. لو سألته عن سبب بكائه وتمطيه هكذا ككوم نفاية على قارعة الطريق.. كان يتمنى لو سمعت له لكنها لم تكترث وغابت في الأفق.. من حقها أن تفعل هذا قال ببلاهة.. من حقها أن تهرب فما أنا إلا مجنون يتحاشاه الناس.. هي أيضاً لم تكترث له لما عاتبها.. قالت له بفم مليء واثق وكلمات واضحة: ليس من حقك ومضت.. من يومها لم تكلمه.. لم تسأل عنه.. صادفها لكنها تجاهلته.. لماذا تتجاهله.. فهو لم يفعل لها شيئاً.... لم يؤذها يوماً.. لم يفكر حتى في ذلك.. لماذا لم يفكر..؟! ضرب رأسه ببطن يده عدة مرات وكأنه ندم.. أية فكرة شيطانية هذه التي يفكر فيها الآن لا؟؟؟ لا؟؟؟ لقد أحبها فعلاً ولا يزال والذي يحب يحب دائماً ولا يستطيع أن يؤذي حبيبه، فالمحبة لا تلد إلا المحبة.. كونها تركته لا يغير من هذه الحقيقة وهي أنه أحبها، أنشد... أتجرع بعدك غصباً طعم اليوم.. وأنا لا أملك إلا طيفاً أستحضره... وأنت بعيدة..أية كلمات هذه.. ولماذا يحفظها ويرددها.. وأين هو الآن وأين هي؟! سرح بعيداً وهو يبكي، حتى شعر بيد تربت على كتفه تهمس: ألا تريد أن تنام؟! لقد جاوزت الساعة الثانية صباحاً.. انتبه.. نظر إلى مصدر الصوت أدرك أنها زوجته وأنه على مكتبه.. في بيته وأمامه أوراق بيضاء ليس عليها حرف واحد لكنها مبللة !! نظر إليها مسدها براحتيه!! لحس راحتيه كانت مالحة ونهض وأطفأ النور.. واندسَّ في فراشه.. وقبل أن يخلد للنوم، أطفأ عينيه براحتيه وغفى..