أنت هنا

قراءة كتاب مذكرات الجرذان الغريقة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات الجرذان الغريقة

مذكرات الجرذان الغريقة

رواية "مذكرات الجرذان الغريقة"، للكاتب الأردني وائل رداد؛ الصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

أحيانا تخرج واحدة من الحمام بفوطة ملفوفة على شعرها وأخرى على قدها, فإن أسعفنا الحظ أزالتها بلطف عن جسمها, وعندئذ تتحول المخيلة المحمومة إلى صياح متحسر مكتوم!..
وعندما يحين ميعاد الرجوع أحاول التلكؤ قدر الإمكان, فوالدي كان من النوع الذي يناقش بحزامه أولا ومن ثم بلسانه المقذع!..
كنت أحيا حياة لا بأس بها, أقول لا بأس بها ما دامت شقة تلك التي تؤويني مع والديّ وشقيقي الأصغر, ولو كانت ضيقة لا تستقطب الهواء المنعش دائما..
أم (توفيق) جارة لنا, أرملة فقدت زوجها في جبل «الجوفة» إبان القصف الذي وقع بين مغاوير القوات الأردنية ومقاتلي «أيلول الأسود», لطالما زارتنا كي تسرد وقائع تلك الأيام الرهيبة التي وقعت في عمان..
كنت أصغي لها بانتباه كي أسمع تصاعد ضرب النار بصورة عاصفة, وأشاهد استيقاظ جميع من في الحي مبسملين مستعيذين بالله من الشيطان الرجيم..
أراهم يهرعون للاختباء في الملاجئ التي أعدوها في منازلهم قبل بدء القصف, وهي عبارة عن حجرات ضيقة هابطة للأسفل كالأقبية..
البعض الآخر كان بالفعل يختبئ في الأقبية الموجودة داخل منازلهم, وهنالك من خلت بيوتهم من حجرة تحت الأرض أو قبو, فكان هؤلاء يخرجون من منازلهم حفاة بملابس النوم, ويهرعون إلى جيرانهم حيث المأوى الآمن حاملين أطفالهم على أكتافهم وظهورهم..
صوت انفجار كاد أن يصم الآذان, وآخر هز جدران المنازل هزا..
ارتفعت عقيرة صوت بالصراخ:
ـ «علقت!.. علقت»!..
تصايح كل الذين كانوا يهرولون في الشارع لدى سماعهم أصوات الضرب المتلاحقة, فالطلقات كانت طائشة تختار أهدافها بعشوائية مروعة..
ـ «إلى الملاجئ!.. إلى الأقبية»!..
ـ «سترك يا رب»!..
وعلت أصوات بكاء الأطفال ونحيبهم, فكادت تطغى على أصوات الأعيرة النارية وتفجيرات القنابل..
وجارتنا ركضت مع الراكضين مجرجرة (توفيق) معها.. كانت خائفة كما يكون الخوف, خائفة على وحيدها وعلى نفسها وعلى شقيقتها التي تركض حافية حاملة بين ذراعيها الرضيع, وعلى زوجها الذي يقودهم صوب منزل جارهم الذي يملك قبوا يتسع لعشيرة..
وهنا سقط واحد مضرجا بدمائه..
ـ «سقط (أبوجابر)»!..
كذا صاحت ممثلة الواقعة بذراعيها, فأنشده وأمواج الخيال متلاطمة في عقلي بلا هوادة..
أصابته ثلاث طلقات دفعة واحدة, في وجهه وصدره ومعدته..
ارتفع صياح جماعي أنثوي عاصف, وتحولت الطوابير شبه المنظمة إلى سوق همجي يمكن للبالغ الضياع وسطه..
ثم تسرد لنا عن تلك الطفلة الباكية والواقفة في عرض الشارع الخطر, فأبصر ضبابا داكنا غريبا يحيط بها, بالصورة من منظوري بأسرها, ثم أسمع هزيم الرعد!..
تقول أم (توفيق) موجهة الحديث إليّ لأنها توسمت فيّ شغفا بالحكاية:
ـ كانت أياما كالجحيم, كنت أخرج لشراء البقالة أو الخبز فتعترضني أكوام من الجثث ملقاة في الشوارع.. لا يوجد ما هو أكثر جهنمية من أن يكون القاتل والمقتول من أبناء العرب والمسلمين!..
ـ معك حق, إن ذلك كالخنجر مغروز في النحر.. ماذا عن تلك الطفلة؟..
صمتت برهة وكأنها تستعيد الذكرى المؤلمة من جديد, ثم نطقت:
ـ كانت طفلة في وسط الشارع, طفلة رأيتها تلعب في الحي مرارا لعبة الحجلة..

الصفحات