أنت هنا

قراءة كتاب مذكرات الجرذان الغريقة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات الجرذان الغريقة

مذكرات الجرذان الغريقة

رواية "مذكرات الجرذان الغريقة"، للكاتب الأردني وائل رداد؛ الصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

وانطلق في أعقابنا, فهبطنا الدرجات الحجرية بسرعة وخوف, وصوته الغاضب يطاردنا بإصرار:
ـ «سأريكما أنت والجربوع الذي معك»!..
ركضنا أسرع, عندما زلت قدم (إيمان) وسقطت على وجهها فوق الدرج, فرسمت لطخة مخيفة من الدم!..
أخذت تبكي كالمجنونة, وهرع شقيقها وحملها بين ذراعيه وهو يغتالني بنظرات لو أنها تقتل حقيقة لأحالتني ركاما..
أخذوها للمستشفى, وعندما عادوا ظفرنا بزيارة من والدها الغاضب وشقيقها الأكثر غضبا, حيث زعما أن (إيمان) أخبرتهما بأنني دفعتها على الدرج أثناء هربنا من السطح!..
زلزلني الرعب حتى النخاع, وضاع صوتي وسط أمواج الاعتذارات التي انهالت من شفتي والدي, فلم يحاول سماع قصتي, لقد أدانني على الفور.. وعقب رحيلهما بعد توعدهما والدي بالويل إذا ما جرى لإيمان شيء, عاقبني عقابا لم أشهد له مثيلا من قبل ومن بعد..
رجعت (إيمان) بضمادة فوق عينها اليسرى, لم تفقأ لحسن الحظ, لكن الأسوأ لم يأت بعد..
كبرنا مع مرور الأيام, وكبرت (إيمان) فازدادت حسنا ورقة, كانت هشة العود ذات شعر فاحم لطالما أحببت تضاريسه المموجة.. بالطبع كفت عن لقائي منذ وقوع الحادث, ولم يحدث أن اختليت بها كي اسألها عن سبب تلك الكذبة التي كذبتها بشأني..
لاحظت أنها تغطي جانبا من وجهها بخصلة من شعرها الجميل, حيث العين اليسرى تحديدا, بادئ ذي بدء لم أشك بشيء, إلى أن أتى يوم رجعت فيه والدتي من عرس, وسردت بعصبية على والدي كيف أنها التقت بإيمان ووالدتها التي كشفت أخيرا عن سر تغطية ابنتها لعينها اليسرى طيلة الوقت.. إن عين (إيمان) مصابة بماء زرقاء, ووالدتها تزعم أن الحادث القديم سبب تلك الفاجعة التي حاقت بابنتها!..
والدتي قالت ساخرة يومئذ:
ـ المرأة أخبرتني أن البنت صارت منبوذة من العرسان والحق على ابني!.. إنها تحاول الظفر به عريسا لابنتها العوراء!..
ووالدي ردّ بجفائه المنفر:
ـ عندهم حكيم العيون, بإمكانه وبسهولة تكذيب مزاعمهم الحمقاء, ما علاقة الحادثة القديمة بالماء الزرقاء؟.. يا لهم من جهلة معاتيه!..
لم أطق البقاء في ساحة الوغى المستمرة بين والدي الفظ ووالدتي الملسنة, شقيقي لم يكن نبتا طريا ينشج كلما ارتفع الصراخ بينهما, كان يراقبهما مستمتعا ويخبرني بكل التفاصيل المتعلقة بشجارهما عندما أعود مناشدا هدوء الجو العاصف ولو قليلا, أدخل ليتحول شجارهما نحوي, عن التأخير ورفقة النحس التي أنشدها مع كلاب لعينة مثل رفاقي, عن فحوى رائحة النارجيلة المنبعثة كأنفاس الشيطان من تلابيب ثيابي..
لست وغدا لو شئتم الصدق, لكن التهمة التصقت بي كالصمغ ما دمت اخترت رفقة أولئك الفتية الثلاثة, كنت أعتبرهم إخوتي الكبار, ولم يكونوا بمقصرين معي, لطالما ساندوني وحموني من اعتداءات الطلبة ورجال الجماعات الإجرامية, كانوا سندا لن أنساه ما حييت..
أتى (كهف) من المخيمات, عايشها لما كانت خياما وصارت فيما بعد مبنية من لبنات وأسقف «زنكو»..
كان قويا ذا أوتار متيبسة رغم نحوله, حقا إن قوة الشكيمة غير متعلقة بعضلات خلقتها إبر الهرمونات الزائفة, ولم يتغلب عليه بالقوة سوى (خربق) الذي كان بحق صلبا منيعا كجدار خرساني حصين..

الصفحات