أنت هنا

قراءة كتاب مذكرات الجرذان الغريقة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات الجرذان الغريقة

مذكرات الجرذان الغريقة

رواية "مذكرات الجرذان الغريقة"، للكاتب الأردني وائل رداد؛ الصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

الفصل الثاني

لازلت أذكر يوم الشؤم وكأنه وقع البارحة..
كنت أقضي حاجتي في إحدى دورات المياه العمومية, الوقت ظهرا ولا أحد سواي بالداخل, روائح الإفراغات العضوية دفعتني إلى كتم أنفاسي كي لا أتقيأ, لا أحد يعنى بنظافة تلك المرافق, عمال البلدية يأنفون دخولها, فيتجاهلونها بثقة من أن أحدا لن يرفع عريضة شكوى ضدهم..
فرغت وخرجت لغسل يديّ من الصنبور, لم ألق سوى بنظرة عادية على الفتية الثلاثة الذين ولجوا, حتى إن أحدهم تظاهر بالود عندما أومأ برأسه كأنه يعرفني, أرجحت رأسي أنا الآخر وعدت للمياه المتدفقة من فتحة الصنبور..
ثم شعرت بجذبة هائلة وبالصنبور يبتعد عن متناول يدي, حشرت حشرا في غرفة قضاء الحاجة الضيقة وأنا أصرخ ذاهلا, الفتى الأكبر والأقوى بين الثلاثة دفع بنفسه معي, أما الاثنين معه فراقبا الطريق خارجا كي يمنعا أحدا من الدنو أو الولوج!..
قاومت بوحشية حيوان ضار, بكل ما أوتيت من قوة, ولم أصرخ كالنساء, لكن السافل كان قويا لحد أذهلني, حظيت بضرب هائج حتى استسلمت تماما..
خرج لاحقا برفيقيه بعدما فرغ من سلبي تاركا إياي جثة حية, أتذوق الدم وأبصقه, وأنتحب كفتاة هتكوا عرضها بلا هوادة, ثوبي السفلي ممزق وكرامتي تلاشت للأبد..
خرجت ذاهلا مبعثرا بعد غسل آثار الفضيحة عن وجهي, رأيت في المرآة كدمة كحلية قبيحة ظلت عالقة في بالي وجفني الأيسر مدة لا بأس بها, ذلك اليوم غادرت عائدا للدار, ورقدت نائما متجاهلا طعام الغداء, نمت حتى العشاء..
أمي تدلف وهي تصيح بخشونة ألا أنام أكثر, تضيء النور فتلمح الكدمة, لا أزال أذكر الجزع الإنساني الذي ارتسم على ملامحها القاسية كأنما استحالت أنثى ذات أمومة أخيرا, تسلحت بالأمومة المحببة وهي تسألني عما أصابني.. كذبت, بالطبع كذبت, قلت أنه حادث.. لا أذكر التفاصيل, لكني أذكر اكتفائها بالكلمة وذهابها للمطبخ كي تغلي لي بعض البابونج أو الميرامية..
عندما غادرت أجهشت ببكاء مرير, بكيت كما لم أبك من قبل, شعرت بذعر انتصب له شعر رأسي, كيف حدث ما حدث؟.. أي كارثة هذه؟!.. كيف أصابتني هذه البلوة بحق إبليس الرجيم؟!..
نمت مرة أخرى, كالحجر, وفي الصباح رفضت الذهاب للمدرسة متعللا بالمرض, كانت المرة الأولى في حياتي, لم أغب عن الدراسة يوما واحدا, كنت على عكس الأغلبية أدرك حلمي وأسعى ببطء واستبسال لتحقيقه, واليوم نجحت بمسعاي, فصرت محاميا ذا سمعة طيبة..
لم يعلم بالحادثة المنكرة سوى أصدقائي الثلاثة, ففي ذلك اليوم الذي فضلت فيه البقاء بين جدران غرفتي معتزلا الدنيا, قاموا هم بكسر حاجز القواعد الخرساني وزيارتي!..
استقبلتهم والدتي ببرودة وجفاء, أما عني فرحبت بهم بحرارة.. جلسنا معا في الغرفة وأبصارهم تتفحصني بحنكة, أدركوا بأن ثمة خطب ما..
ضغطوا عليّ حتى تأثرت, شعرت بعبراتي الساخنة تنزف من جديد, حقا كانوا إخوة لي, لقد اربدت وجوههم غضبا مشتعلا لما سمعوا بما حدث, حتى (خربق)!.. لا زلت أذكر كيف انبعثت نيران حقد أسود من مقلتيه الضائقتين!..
ـ «من كانوا يا (أمين)؟!.. من كانوا»؟!..
ـ «لا أعلم يقينا, أحسبني رأيتهم يتسكعون مع أبي (طبر).. ضمن جماعته»..
كلمات موجزة يجب قولها عن أبي (طبر) هذا.. لقد كان وحشا آدميا يجلب المتاعب لنفسه ولمن معه, وليس من المستحب إثارة غضبه, كان همجيا يحب الإيفاء بالوعد, ووعوده متعلقة دائما بوعيد القتل!..
ترأس جماعة هدفها السلب والقتل, وشاعت جرائمه حتى انقلب أسطورة يهابها الكل, وفي جرش كانوا يستعيذون بالله من الشيطان الرجيم ومن أبي طبر!..
قلت ما قلته لأن مجرد ذكر اسمه أكثر من كاف بالنسبة لصعاليك في المرحلة الإعدادية, لن أكذب إذا ما قلت بأنني كنت شبه متيقن من أن رفاقي سيتناسون الموضوع, لكني فوجئت وبعمق لما لوّح (كهف) بقبضته قائلا بغضب أذهلني:
ـ لا بأس, سندبر الحقراء!..

الصفحات