ذاكرة الماء محنة الجنون العاري؛ لا شيء في هذا الأفق، لا شيء أبدا، سوى الكتابة وتوسّد رماد هذه الأرض التي صارت تتضاءل و تزداد بعدا كل يوم. وهل للماء ذاكـــرة؟
هذا النصّ يجهد نفسه للإجابة عن بعض مستحيلاته بدون أن تخسر الكتابة شرطها.
قراءة كتاب ذاكرة الماء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ذاكرة الماء
وهل للماء ذاكرة؟
هو ذاكرتي أو بعضاً منها. ذاكرة جيلي الذي ينقرض الآن داخل البشاعة والسرعة المذهلة والصمت المطبق، ذنبه الوحيد أنه تعلّم، وتيقّن أنه لا بديل عن النوّر سوى النور في زمن قاتم نزلت ظلمته على الصدور لتستأصل الذاكرة قبل أن تطمس العيون. هو مجرّد صرخة من أعماق الظلام ضدّ الظلام، ومن داخل البشاعة ضد البشاعة. ونشيد مكسور للنوّر وهو ينسحب بخطى حثيثة لندخل زمناً لا شيء فيه ينتمي إلى الزمن الذي نعيشه.
داخل هذه الرحلة، رحلة القساوة الممتدة من 1993الي1995 وأنا أكتب هذا النصّ فوجئت بميراث الكتابة التراجيدي: جنون يقارب الإنتحار، مرض العيون والذاكرة، تساقط الشعر والخوف، خيسران البيت والأرض والبلاد، والسرية والمنفى، معاودة الحياة من الصفر في سنّ الأربعين، وإلتهام كمّ لا يُحَدّ من الورق والأقلام.. والحبر... وكثير من الخوف الذي لا يشبه الخوف.
ولكنّي فوجئت كذلك بصغر الأرض وبأصدقاء الشدّة والخوف الذين لا أملك حيالهم إلاّ المحبة والإصرار الدائم على تمجيد الجمال في معناه الأكثر نبلاً والصراخ ضد الهمجية و الموت بأعلى صوتي حتى عندما يكون ميراث الكتابة هو الإجابة التراجيدية الوحيدة الممكنة في هذا الزمن. أصدقاء فتحوا أبوابهم وصدورهم: جمال الدين بن الشيخ، دانيال ريق، جاك غاليت، جاكلين الشابي، أبو العيد دودو، محمد حسين الأعرجي، عبد اللطيف اللعبي، برينو داجنز،جاك دريدا، جلبيير غرْون غيوم، سهيل إدريس، محمّد بوعيّاد، خولة الإبراهيمي، فاني كوُلونا، بيار زراغوزي، أدونيس، كريستيان سالومون، فاطمة المرنيسي، محمد برادة، الهاشمي شريف، حنّا مينة، نبيل سليمان، الهاشمي بونجّار، رضا مالك، رشيد بوجدرة، رشيد ميموني، أحلام مستغانمي، محمد صالح حرز الله، مصطفى فاسي، توفيق بكار،جان بيار لييدو، محمّد الباردي، فتحية التريكي، نجاة الرايس، ليلى الشافعي، بقطاش مرزاق، عبد الحميد العقّار، محمد الأشعري، طوني مرّايني، جوليانا سقرينا،اسماعيل رسول، ماري فيرول، ياسمين غراسير، وأصدقاء آخرون، أتركهم بين شقوق الذاكرة المنكسرة.
سنتان من الخوف. وهل هما سنتان؟
طوال هذا الزمن النفسي الذي لا يُعدُّ ولا يُحصى كنت أحلم بشيء صغير. صغير جداً ولكنه بالنسبة لي كبير، قبل أن تسرقني رصاصة عمياء، هو أن أُنهي هذا العمل، نكاية في القتلة.
و هاأنذا بعد هذا الزمن الذي لا يساوي الشيء الكثير أمام الذين فقدوا أرواحهم، أخرج للنوّر مثقلاً برماد الذاكرة، أمشي على الملوحة والماء وفاءً لهذا الماء وتلك الذاكرة.