قراءة كتاب ذاكرة الماء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ذاكرة الماء

ذاكرة الماء

ذاكرة الماء محنة الجنون العاري؛ لا شيء في هذا الأفق، لا شيء أبدا، سوى الكتابة وتوسّد رماد هذه الأرض التي صارت تتضاءل و تزداد بعدا كل يوم. وهل للماء ذاكـــرة؟
هذا النصّ يجهد نفسه للإجابة عن بعض مستحيلاته بدون أن تخسر الكتابة شرطها.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 5

ـ أنت تعرفني. أنا مجرّد أستاذ جامعي. ومع ذلك سأحاول. اِتصل بي في الأسبوع القادم.
نسيت أن أسأله عن اسمه.
كان وجهه قد اصفر أكثر، وعيناه لم تغادرا جيبي، والزغب الذي كان يملأ ذقنه وخدّيه زاد بروزاً. ثم بدأ يتوارى، حتى خرج نهائياً من مدخل البناية. عندما أطْلَلْتُ عليه، كان يجري، ويلتفت وراءه.
ولهذا احتفظت بهذه القصاصة فيما بعد.
لقد تمّ التعرف على أحد قاتلي المفكر بوخبزة مدير الدراسات الاستراتيجية. وكان قد جاءه قاتله قبل أيام يطلب منه المساعدة للحصول على عمل، وقد وعده الأستاذ بوخبزة على بذل مجهود خاص للحصول على عمل. جريدة الوطن (...) 199
في المرّة الأخيرة كنت أنا ومريم. كان يحاول أن يتتبّع حركاتنا. ثم بسرعة سبقنا إلى مدخل البناية. قلتُ لمريم. أَوقفي جارتك. تحدّثي معها في أي شيء حتى و لوكان فارغا.
كانت الجارة قادمة من السوق، بسلة شبه فارغة.
دخلت معها في حوار عن غلاء المعيشة. عن البطالة. وعن أشياء لم أولها الانتباه الكافي.
بينما كان الشاب ما يزال في مدخل البناية، يحاول أن يقرأ صناديق البريد. عندما التفت نحوه التقت عيناي بعينيه. تأكد أني تذكرته. دخل بشكل فجائي إلى الصيدلية المحاذية للمدخل. تبعته.
خرَج بسرعة.
سألت العاملة. كانت صديقة لنا.
ـ ماذا كان يريد ؟ّ
ـ لا شيء . يبحث عن طبيب أسنان. ما عجبنيش مطلقاً.
ـ لا يوجد طبيب أسنان في الحي، وهو يدّعي أنه من سكّان الحيّ.
ـ ليس من الحيّ. لم أرَهُ أبداً في حياتي.
في المساء نفسه اتصل بنا مدير الأمن الحضري لمنطقتنا ليخبرنا بقدومه شخصياً لأمْرٍ يهمُّنا. عندما وصل، كان منكسراً.
ـ كلّ ما أقوله لكما، أن تغادرا المكان. فهذا المكان مهجع للقتلة. أنتما في وضع خطير جداً.
سألنا عن التهديدات.قالت مريم:
ـ كثيرة. سلمتُ بعضها للشرطة، والبعض الآخر مزّقته. تعودنا عليها.
ـ هكذا يفعلون. يبْتذلونها بكثرتها وعندما يدخل المرء في دائرة العادة ينقضون عليه.
منذ ذلك الزمن، أصبحت كلما تحدثتُ بصوتٍ عالٍ، تنبهني ريما، وهي تضع يدها على فمي.
ـ بابا، للحائط آذان.
وكلما قمت من فراشي، أجدها ورائي، تقتفى خطواتي، بلباسها الوردي الفضفاض. تمسح عينيها النصف مغمضتين.
ـ بابا، كَانْشِ أخبار جديدة؟!
أمسد على شعرها. أنحني. تدفن رأسها في صدري.
ـ المهمّ أن الحياة ما تزال مستمرّة.
ريما، هذا الفجر، لم تستيقظ بعد. البارحة نامت صفراء، مريضة. تبدّل لون وجهها. لم يعد يعجبني مطلقاً. منذ أيام أخذتها إلى الطبيب. التحاليل لم تظهر أي شيء استثنائي. صارت نحيفة. عندما سألت الطبيب. قال.
ـ C’est peut-être L’Angoisse .

الصفحات