أنت هنا

قراءة كتاب إلى اللقاء قاتلتي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إلى اللقاء قاتلتي

إلى اللقاء قاتلتي

في روايته الأولى يتحدث الكاتب اللبناني ابراهيم عيسى عن مغامرته الثلاثية، يتأرجح قلمه على زخّات فقدانه والده، فرح يرحل في شبابه، ثم حبيبة لا ندري إنْ كانت القاتلة أم المقتولة أم الاثنتين معاً، أخيراً إلى وطن أشبعه سموم الطائفية.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

الفصل الأول

لم أدرِ يوماً أنني سوف أكتب وجعي وحزني وأيامي على هذه الورقة.
لم أكن أعلم أنه سيأتي يوم ألتقط فيه قلمي وأقرر البوح لأوراقي بيومياتي وسر حياتي، وأنا لست بكاتب ولا بشاعر ولا بروائي أو صحفي، احترف، من قبل، اللعب بالكلمات والحروف ليخط قصيدة أو كتاباً، أو يسترسل فيّ شعراً يخاطب فيه حبيبته أو وطنه أو أمه، أو يخاطب فيه نفسه.
لا أدري إن كان قلمي سوف يقف عند هذه الصفحة البيضاء أم أنه سوف يكمل اغتصابه للأوراق الباقية فيقضّ مضجعها، ولا أعلم أين ستأخذني هذه الكلمات، وماذا ستكتب فيّ، هل ستكتب قصة حياتي، يومياتي وعلاقتي بالنساء اللواتي عرفتهن، أم ستكتب صراعي مع المجتمع وعقائدي وجنوني. فأنا مجنون وصلت إلى حد الصراع مع نفسي ومجتمعي، أقف الآن أمام عقائدي ومبادئي وأفكاري وإيماني كمجرم يقف أمام حكمه، وقد واجه، قبلاً، تهمته وضحيته وجهاً لوجه.
أصبحت أفكاري ومعتقداتي وهواجسي تشكل لي خوفاً من الأيام، وكذلك من الماضي ومن المستقبل الآتي.. أصبحت تشكل لي وجعاً وتصارع يومي مع ما أراه ومع الذين ألتقيهم من أناس وأفكار.
لا أدري تاريخ اليوم، فأنا ضائع في روزنامة الأيام، وجميع هذه الأيام على سواء من التشابه والأحداث في بحر السنة.
جمعت أوراقي وقلمي الذي كلما ضاع أبحث عن غيره في زوايا غرفتي، وكأنه يهرب مني عمداً كي لا يكون شاهداً حياً على صراعي وضياعي معك ومع حبي لك... ولكي لا يكون المرتكب الأول لجريمتي ومرافقاً لرحلتي مع هذه الصفحات البيضاء، واغتصابي لبياضهنّ لينطقن بالأحرف ويصحن بألمهن وألمي ومرارتهن ومرارتي.
لملمت شتات نفسي، واصطحبت بقاياها وهربت.
في تلك الليلة العاصفة الهوجاء كنفسي المضطربة المريضة على فراش الألم، سبقتني الغيوم الباكية وكأنها تشارك عيني في المطر، سبقتني كلماتي إلى كرسيّ المعتاد في مقهى وحدتي.
دخلت مقهاي المنفى الواقع في شارع في الأشرفية، ليستقبلني (سايد) النادل ويفتح الباب لي...
نرجيلتك يا باشا.

  • - نعم وكالمعتاد.
  • - أأحضر لك شايك الأبيض الآن؟
  • - لا، لاحقاً لو سمحت...فالآن مشغول في تفتيشي عنك، لعل طيفك جالس إلى طاولتي ينتظرني.
  • - فهنا تعودت ملاقاتك، وهنا تعودت مغازلتك على مرأى من(سايد) وهنا تعودت...وهنا...وهنا...
  • - وحدك اليوم يا باشا؟ ليه؟
  • - نعم وحدي، ...حتى هو لم يلاحظ طيفك يدخل معي، ولا ضحكتك في مسام الجدران، وعيناي في كل لحظة تتركان الورقة لتراقبا الباب علك تدخلين كعادتك بمشيتك المختالة لتقبليني وتجلسي بقربي..
  • - حتى وجهك لم يخرج من بين الصفحات لينحت معي كلماتي كعادته..

في هذه اللحظة كانت تمطر بغزارة وكأنها تبكي غيابك، حتى الكلمات لا تخرج كعادتها مفتشة عنك بين ثناياها.
- الشاي يا باشا...

  • - ويتركني(سايد) وحدي، فنجاني، أوراقي، كلماتي وأنت غائبة، كيف سيكون مذاقه وأنت لم ترتشفي أول رشفة قبلي؟ فقد تعودت شفتاك تقبيله، وتعودت أنا بين كل رشفة، شفة منك تحلي مذاقه.

ويرن هاتفي، لأستقبل رسالة نصية منك، لتخبرني بعذابك وأحلامك وصراعك، وكيف أنك تتوجعين لغيابي عنك، وأن نضالك قد يتوقف في أي لحظة ويلفظ أنفاسه الأخيرة.
لا تعيش الشعوب المحطمة سيدتي إذا توقف نضالها، ونضالك يتزامن مع ثورة مصر وتونس وتفشيها في بقية الدول العربية المحطمة في ظل الأنظمة الإمبريالية والديكتاتورية...أهو تشابه لنضالنا مع هذه الشعوب أم قضيتنا مختلفة تماماً؟
ما دخل حبنا بتلك الأنظمة؟

الصفحات