كتاب "الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل"، للكاتب الدكتور غينثر داشنر، الصادر حديثًا عن دار الفارابي 2014، والذي ترجمه للعربية د.
أنت هنا
قراءة كتاب الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
1- شعب بدون دولة
المسألة الكردية على مسرح السياسة الدولية
الكرد. إنهم 30 مليون نسمة، أو بضعة ملايين أكثر أو أقل. فلا أحد يعلم عددهم بدقة، لسبب بسيط، ذلك أن وجود الكرد غير معترف به رسمياً في بعض الدول. كان كذلك ولايزال، ولاسيما في تركيا، ولأن أنظمة حكم الدول الأخرى، كالعراق مثلاً ـ حيث يصعب إنكار وجود الكرد ـ تميل الى التقليل من عددهم، وأخيراً، وفي بعض الدول التي يعتبر الكرد فيها بشراً من درجة ثانية، فإنه يصار في حالة إحصاء السكان فيها، الى إعادة كل واحد منهم لينسب إلى الشعب الذي يتحدر منه. أما ممثلو حركات الكرد الوطنية فيميلون، عكس ذلك، إلى التعامل مع الأعداد بأرقام أعلى، إذ تقدر هذه المجموعات أعدادهم بـ35 أو 40 مليون نسمة، بل إن إحدى المنظمات الكردية ذات التوجه الاشتراكي قد ذهبت أخيراً، إلى تقدير عددهم بـ45 مليون نسمة.
لكن الثابت في جميع الأحوال، أن الكرد يعتبرون بعد العرب والترك والفرس الشعب الرابع من حيث التعداد في منطقة الشرق الأدنى. والمراقب الجدي يقدر عددهم بـ15 مليوناً، أو ربما أكثر، في تركيا، وبعشرة ملايين في إيران، وبقرابة خمسة ملايين في العراق، وبمليون إلى مليونين في سوريا. أما المتحدرون من الشعب الكردي في الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي سابقاً، بما فيها أرمينيا وجورجيا وأذربيجان والأعداد التي ألزمت بالنفي إلى الخارج فلا يدخلون في هذه الاحصاءات. ففي ألمانيا وحدها يعيش أكثر من 500.0000 منهم، ومعظمهم يحمل جوازات سفر تركية.
يتمتع الكرد منذ آلاف السنين بتاريخ خاص بهم. ومنذ ظهورهم التاريخي الأول يعيش الكرد في الأرض نفسها التي يعيشون عليها إلى اليوم. واسمهم يشتق على الأرجح من (Guti) القديمة (Kurtie – Qurti = Guti) من بابل المحتلة. وبالإمكان أيضاً البحث عن أجداد الكرد الحاليين في أوساط Hurriten في بلاد ما بين النهرين أو في أوساط الميديين المعروفين في التاريخ الفارسي.
يتكلم الكرد لغة خاصة بهم. وهي لغة هندوجرمانية تنتمي إلى اللغات الإيرانية الغربية، وهي قريبة جداً من اللغة الفارسية القديمة. ولا علاقة تجمعها على الإطلاق باللغتين العربية أو التركية. فاللغة الكردية بعيدة جداً عن هذه اللغات بعد اللغة الألمانية عن الكورية، أو بعد اللغة الإنكليزية عن السواحيلية. لذلك يجد العديد من الكرد أنفسهم أكثر قرباً من الأوروبيين منهم إلى العرب أو إلى الأتراك. وبتأثيرات متعددة لايزال الكرد يكتبون بأبجديات مختلفة: ففي العراق وإيران وسوريا يكتبون لغتهم بأحرف عربية، وفي تركيا بأحرف لاتينية، وفي المستوطنات الصغيرة التي يسكنون منها ضمن الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي يكتبون بأحرف كيرلية أو أرمنية.
تمتد مناطق سكن الكرد المقفلة من جبل آرارات التوراتي في الشمال وصولاً إلى الخليج الفارسي، ومن أرمينيا وصولاً إلى سواحل البحر المتوسط، ومن شواطىء دجلة وصولاً إلى المرتفعات في إيران. هذا هو موطنهم المقسم: أرض كردستان. الجزء الأكبر منها مرتفعات يصعب الوصول إليها، وسلسلة جبال زاغروس تنسحب على البلاد بأكملها. إنها منطقة تتميز بمناظرها الطبيعية كما لو كانت كتاباً مصوراً (هكذا يشار إلى المناطق الطبيعية في جبال الألب التي لم تمس بعد!) بما فيها قرى جبلية وبنية تحتية غير متطورة. وقد أشار منذ أكثر من مئة عام الكاتب الألماني كارل ماي Karl May)) إلى كردستان مستعملاً صيغة «كردستان البدائية» وهذه الكردستان «البدائية» الأصلية التي لم تعرف الزيف ما زالت إياها حتى اليوم.
ولكن ثمة كردستان أخرى: إنها السهوب الواسعة الخصبة باقتصادها الريفي الغني بالمحاصيل، وحقول النفط ومضخات نقله والمدن الكبرى مثل كركوك وأربيل، والمأهولة وإن جزئياً منذ عصور قديمة، وبعضها منذ 5000 سنة. أما عن أبعاد كردستان وعن أوجهها المتعددة وعن علاقتها بعضها ببعض فلا أحد في العالم يملك تصوراً صائباً: فمما لا شك فيه أن الراعي الكردي الذي يتنقل مع أغنامه وماعزه في المراعي الجبلية ما زال موجوداً، كما يمكن بالطبع أن نرى هنا وهناك الفارس الذي يفاخر بسلاحه المعلق على جانبه وبحزامه المليء بالخرطوش على كتفه، تماماً كما جاء في توصيف كارل ماي له في أقاصيصه.
إلا أن أربيل الكردية في شمال العراق هي اليوم مدينة تضم 800.000 نسمة، بل ربما مليون نسمة، وفيها أيضاً مبنى لمجلس النواب، وثلاثة مستشفيات، ومحطة تلفزيون وعدة محطات راديو، ومجمع تجاري مكيف، ودزينة من صالونات التجميل وشبكة لتشغيل التلفونات النقالة. ومثل هذه الأشياء موجودة بكثرة.
ليست كردستان مجرد زاوية رومانسية، بل هي بلد واسع بأوجه كثيرة. كما أناه بلد غني من حيث المبدأ. فهي تمتلك بوفرة أكبر كنوز الشرق الأدنى – الماء والنفط. فنصف نفط العراق تقريباًَ موجود على أرض كردية. وأكبر أنهار الشرق، الفرات ودجلة، اللذان تتغذى كل من تركيا وسوريا والعراق من مياههما ينبعان من كردستان. وأرض كردستان التي يقطنها الكرد منذ سحيق الزمن تقدر بمساحة تزيد عن 500.000 كلم2، فهي باتساع فرنسا وأكبر من ألمانيا الموحدة والنمسا معاً. بعبارات أخرى، لا يشكل الكرد في الأرض التي يتحدرون منها أقلية أبداً، بل هم الأغلبية فيها.
ومع ذلك، فلا وجود لكردستان على أي خريطة. إذ إن الكرد هم آخر أكبر شعب لا دولة خاصة بهم. فأرضهم تقسمت وضمت إلى الدول التي قامت حديثاً، والشعب الكردي نفسه توزع على الدول القائمة حالياً، في العراق وتركيا وإيران وسوريا مع مجموعات صغيرة في الدول التي ظهرت في جنوب الاتحاد السوفياتي بعد تصدعه. هكذا يشكل الكرد عدة أقليات من أغلبية واحدة.
ثمة عوامل ثلاثة حددت الى الآن قدر الكرد: الانقسام والانتشار، والسياسة الجغرافية. فنادراً ما تنطبق عبارة نابليون على شعب انطباقها على الكرد: الجغرافيا هي القدر. فعلى مدى مئات السنين كانت المناطق التي يعيشون عليها مسرحاً لسجالات وحروب الآخرين من امبراطوريات عظمى وشعوب. وعلى أرض كردية جرى الصراع بين الأتراك الذين انتقلوا منذ القرن الحادي عشر من أواسط آسيا إلى الأناضول، وكانت حتى ذلك الوقت تحت سيطرة الفرس. وحين وقع العثمانيون المتخاصمون مع الفرس في العام 1639 اتفاقية قسري شيرين، كان ذلك على حساب كردستان. والكرد يسمون هذه الاتفاقية : «أول تقسيم كردي».