"الله الحياة والإنسان"؛ كتاب فلسفي علمي واجتماعي، فلسفي بنظرته إلى الله وإلى الدين؛ علمي بدراسته للإنسان؛ واجتماعي بدراسته للمجتمعات البشرية. لكن على الرغم من أنّ دراسته موجزة ومختصرة، بشكل كبير، إلا أنها تسدّ فراغاً تعاني منه ثقافتنا القومية والوطنية.
أنت هنا
قراءة كتاب الله الحياة والانسان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الســؤال
الحياة سرّ الأرض ولغزها المحيّر، كانت، ولاتزال شغل الفلاسفة والعلماء... متى ظهرت؟ كيف بدأت؟ ومن أين أتت؟ هل جاءت من زبد البحر، كما تقول الأسطورة اليونانية عن أفروديت؟! أم هل هي صناعة الله في ساعة صفاء، كما تقول الديانات الساميّة؟!.. أم أنها تطوّر للمادة وصورة اخرى من صورها الراقية، كما يقول العلم؟!... ثم، هل ظهرت منذ أجيال ودفعة واحدة؟ كما يقول الكتاب المقدّس في سفر التكوين. ثم، ما هو القاسم المشترك بين جميع تشكّلات الحياة؟ وما هو الرابط بين الأحياء والموجودات؟ ما هي غاية الحياة؟... والإنسان! ما موقعه منها؟ بماذا يتميّز؟ كيف يعيش؟ وما هو هدفه؟... والله! من هو؟ أين هو؟ وماذا يريد؟
الفصل الثاني
الجـــــــواب
الثابت علمّياً أن الحياة على الأرض، بدأت تظهر منذ مئات الملايين من السنين، وأن الأجناس والأشكال الحالية من الأحياء هي نتيجة تطوّر أجناس أخرى انقرضت، وأن نشاط الخليّة الحيّة يتمّ ضمن شروط، أهمها توافر الرطوبة في حدود حرارة لا يتغيّر معها شكل الماء. إن الطبيعة لا تعرف الجمود. والكائن الحي يتميّز عن الجماد بالتبادل الغذائي، وبالنمو، وبالتوالد. وهو يتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها، ويكوّن وإياها وحدة بيوطبيعية... وبما أن الكرة الأرضية هي البيئة الكبرى للحياة، فإن فهمها يشكّل مدخلاً ضرورياً لدراسة الأحياء، خصوصاً وأنها تحوي الكثير من آثار الماضي، وتكوّن سجلاً رائعاً للتاريخ الطبيعي.
الكرة الأرضية كوكب من ثمانية كواكب سيارة، تدور حول الشمس في خطوط إهليلجية، على أبعاد متفاوتة، وتشكّل معها المجموعة الشمسية. كانت كتلة ملتهبة من مواد منصهرة وغازات مشتعلة، بلغت مداها وراحت تبرد بشكل بطيء، وتدريجي. ومع مرور الزمن، تكوّنت قشرتها الخارجية التي نعيش عليها، والتي تشكّل بيئة عامة لجميع الأحياء، وتسمّى الكرة الحيوية. وتتألّف من ثلاث طبقات:
1ـ طبقة هوائية، سماكتها 100 كيلو متر.
2ـ طبقة مائية، سماكتها 4 كيلومترات.
3- طبقة صلبة أو صخرية، سماكتها بالمتوسط 60 كيلو متراً، يطلق عليها اسم سيال. وهذه الأخيرة، تتكوّن من معادن مختلفة تطغى عليها مركّبات السيليسيوم والألمينيوم والحديد والكلس والأوكسيجين، وتظهر بشكل صخور ورمال وأتربة، تغلّف الكرة الأرضية التي تتكوّن في الداخل من مواد ثقيلة لاتزال في حالة حماوة وانصهار. إن الطبقة الصلبة هذه تتعرّض لعوامل طبيعية مختلفة من الداخل ومن الخارج، بنتيجتها تحدث تغيرات وتبدلات على السطح؛ ففي باطن الأرض تحدث حركات تكتونية، تسببها الحرارة المحصورة في الداخل، والثقل الآتي من الخارج، تعبّر عن نفسها بالبراكين والزلازل والهزّات الأرضية التي نشهدها بين الحين والآخر. بنتيجتها تصاب القشرة الخارجية، الطبقة الصلبة بصدوع وشقوق، وتظهر فيها تغيّرات، يتبعها تمدّد قسم هنا، وتجعّد قسم هناك... فتتكوّن قيعان، وترتفع جبال، ويتمّ ذلك ببطء وئيد، خلال ملايين السنين.
في الخارج يكون سطح الأرض مسرحاً لعوامل اخرى مختلفة. إذ بتأثير الحرارة القادمة من الشمس والمتبدّلة ببرم الأرض على نفسها ودورانها حول الشمس، تتبخّر المياه، وتعصف الرياح، وتهطل الأمطار، فينهدم ما بنته الحركات التكتونية، وتجرفه السيول إلى قيعان البحار ليستقرّ بشكل رواسب. ولمّا كان القسم المتصلّب من القشرة الخارجية للكرة الأرضية، بادئ الأمر، نتيجة لبرودة المواد المنصهرة وتجمّدها، قد أخذ شكل البلّورات الزجاجية التي تختلف عن بعضها بعضاً باختلاف المعادن الداخلة في تركيبها، وهي متعدّدة، تكونت منها صخور البزالت والغرانيت وجميع الصخور البركانية. وبما أن عوامل الحثّ والتفتيت والجرف مستمرّة، فقد تهدّم قسم كبير من هذه الصخور وتحوّل إلى رواسب. من جهتها الرواسب التي تعرّضت للحرارة والضغط، تحجّرت وتحوّلت إلى صخور بّلوّرية، نطلق عليها اسم الصخور المتحوّلة، منها صخور الغنايز والميكاشيست. أما الرواسب التي لم تتعرّض للضغط والحرارة، وتحجّرت في ظروف عادية، فقد شكّلت صخوراً غير بلّورية، نطلق عليها اسم الصخور الرسوبية.
وبما أن الطبقة الصلبة من الكرة الأرضية مغمورة في معظمها بالماء ولا يبرز منها، غير قسم صغير نسبياً نسمّيه اليابسة، يتوزّع بين قارّات وجزر تحيط بها المياه من كل الجهات، وتشغل مواضع مختلفة بالنسبة لخط الاستواء، فقد قام بين الماء واليابسة صراع مستمر ودائم للسيطرة على المواضع. والصراع هذا مع الزمن أحدث تغيّرات في اليابسة وتبدّلات بالمواقع بين القارّات، وجاءت فرضية انسياح القارّات لـ «فيغنر»ْ التي ظهرت سنة 1912 تساعد على درسها وفهمها. وهي تفترض أن اليابسة كانت قارة واحدة اسموها (غاندوانا)، ومع مضي الوقت، وبتأثير العوامل الطبيعية تشقّقت، وانفصلت إلى أجزاء، وهذه الأجزاء انساحت وتباعدت لتشكّل القارات والجزر الحالية. يدلّ على مصداقية هذه الفرضية تشابه سواحل البحار والمحيطات. فالشواطئ المتقابلة من القارات تتشابه إلى درجة، توحي بأنها انفصلت للتوّ عن بعضها بعضاً؛ الأمر الذي تؤكّده شواطئ أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وكذلك شواطئ شبه القارة الهندية وأستراليا وجزيرة العرب، ولا تناقضه شواطئ أوروبا وأمريكا الشمالية. فجزيرة «غرين لاند» تظهر وكأنها إسفين خرج من بين القارتين... إن نظرة شاملة إلى خريطة العالم، فيها تبدو اليابسة وكأنها فصلت وجزّئت إلى قارّات وجزر لاتزال كلها محتفظة بمعالم ذاك الانفصال، وتوحي بأننا لو قرّبنا هذه الأجزاء بعضها إلى بعضها الآخر لتداخلت الرؤوس والخلجان وأعطت القارّة المفترضة غاندوانا. ويتحدّث القسم الثاني من الفرضية عن انسياح القارات وتغيّر مواقعها بالنسبة إلى خط الاستواء. وقد جاءت المكتشفات الستراتغرافية والبليونتولوجية التي تم كشفها حتى اليوم تثبت هذه الفرضية وتؤيّدها؛ ففي مناطق الشمال الباردة حالياً، اكتشفت آثار لنباتات وحيوانات لا تعيش إلّا في المناطق الحارة. كما اكتشفت في أفريقيا آثار للجليديات.
إن الرواسب، هي ركام الصخور التي تفتّتت، والمستحاثات هي أجزاء الحيوانات والنباتات التي هلكت، وحملتها السيول إلى قيعان البحار حيث ترسّبت، واحتفظت بمحتوياتها. وهناك انتظرها أحد مصيرين: إما أنها تعرّضت للحرارة والضغط، فتحجّرت وتبلورت، وكوّنت الصخور المتحوّلة، وإما أن الحركات التكتونية دفعتها للخروج فوق سطح الماء، و بمجرّد أن لامسها الهواء الحاوي على ثاني أوكسيد الكربون، تحجّرت وكوّنت الصخور الرسوبية، تماماً كما يحدث للكلس و الإسمنت الرائبين، عندما يلامسا الهواء. وفي كلتا الحالتين، إن في الصخور المتحوّلة، وإن في الصخور الرسوبية، تبقى التركيبة الرسوبية محافظة على كل تفاصيلها التي كثيراً ما يشاهد فيها، حيوانات أو نباتات، أو أجزاء من هذه وتلك في حالة تحجّر. وهذه نسميها مستحاثات أو مطمورات.
بمساعدة علم الرواسب، ستراتيغرافيا، وعلم المستحاثات، بالينتولوجي، أمكن دراسة الحقب الجيولوجية التي مرّت على الأرض، ودراسة أنواع الكائنات الحيّة التي عاشت في تلك الحقب. وبدراسة الكربون 14 والفوسفور وغاز الأراغون والبوتاسيوم، أمكن تقدير عمر الحياة على الأرض. إن الكربون 14 يسمح بتقدير عمر أقل من 50000 سنة، وغاز الأرغون والبوتاسيوم يسمحان بتقدير عمر الصخور المكوّنة في وسط حار. وهناك اليورانيوم والراديوم وغيرهما من الفلزات ذات النشاط الإشعاعي لمعرفة الصخور المكوّنة في الدور الأول الكامبري وما قبل الكامبري.


