أنت هنا

قراءة كتاب الله الحياة والانسان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الله الحياة والانسان

الله الحياة والانسان

"الله الحياة والإنسان"؛ كتاب فلسفي علمي واجتماعي، فلسفي بنظرته إلى الله وإلى الدين؛ علمي بدراسته للإنسان؛ واجتماعي بدراسته للمجتمعات البشرية. لكن على الرغم من أنّ دراسته موجزة ومختصرة، بشكل كبير، إلا أنها تسدّ فراغاً تعاني منه ثقافتنا القومية والوطنية.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

الفصل الثالث

كيف ومتى بدأت الحياة

يقدّر عمر الحياة على الأرض بما يزيد على ثلاثة مليارات من السنين، تبدأ بظهور البذرة الأولى للحياة، وتتوزّع على الحقب الجيولوجية التالية:
1- ما قبل الكامبري، مدتها الزمنية ثلاثة مليارات سنة.
2- الحقبة الأولى، مدتها الزمنية 578 مليون سنة.
3- الحقبة الثانية مدتها الزمنية 124 مليون سنة.
4- الثالثة مدتها 57 مليون سنة.
5- الرابعة مدتها 1 مليون سنة.
خلال هذه الحقب تجمّعت رسوبات بمعدّلات سنوية لا تزيد على عشر الملم، وتوضّعت بشكل طبقات يعلو بعضها بعضاً، بسماكة عدة أمتار للطبقة الواحدة. وتضمّ مطمورات للكائنات التي عاشت في تلك الفترات من عمر الأرض. دراسة هذه الرسوبات ومطموراتها أوضحت شكل الأحياء التي عاشت في الحقب الجيولوجية المتتالية، ودلّت على أنها تختلف بالشكل والنوع وبالخصائص الوظيفية بين حقبة زمنية وأخرى. وبمجموعها شكّلت سلسلة من التطورات والتغيرات المتلاحقة والمترابطة بشكل منطقي مؤيّد بالوثائق؛ هذا وإن بدا بعضها مفقوداً، فهو لا بدّ من أنه موجود بين الرواسب، لكننا نحن لم نستطع الكشف عنه بوسائلنا العلمية الحاضرة. وهي تمثّل سلّماً للخليقة، فيه يظهر تعقيد بالتشريح العضوي، وتطوّر بالوظيفة الفسيولوجية، وتدرّج من الأبسط والأقدم نحو الأحدث والأعقد. إنه سلّم تطوّر وارتقاء للكائنات الحية.
يرجّح أن قصة الحياة بدأت منذ القديم القديم، في الفترة نفسها التي فيها، بدأت قشرة الأرض تتجمّد وأخذت حرارتها تعتدل، نتيجة تفاعل كيميائي بين مواد أوّلية متوافرة، تتميّز بخصائص كيموفيزيائية معيّنة، أهمّها الكربون والأوكسيجين والهيدروجين والأزوت التي منها يتشكّل غاز الكربون وبخار الماء. ونتيجة التفاعل بين هذين العنصرين الأخيرين، نتج الكربون المائي الذي يعتبر أبسط المركبات العضوية وأساس تشعّبها إلى مركبات عديدة أكثر تعقيداً. هذا التفاعل حدث في الطبيعة خلال الفترات الماضية، قبل ظهور أي لون من ألوان الحياة، ولا يزال يحدث حتى اليوم.
من الكربون المائي نشأت مجموعة من المواد العضوية مثل الميتين والأمونيا والحوامض الأمينية التي تجمّعت في الوسط المائي وحوّلته إلى حساء بدائي. وبتفاعل هذه المواد مع بعضها، نتجت مركّبات زلالية «بروتينية» أو البروتينات التي تتميز بقابلية شديدة للاتحاد مع مواد أخرى، لتؤلّف معها مركّبات جديدة قليلة الثبات، مما يتيح لها الاندماج من جديد في عمليات أخرى... ومن هذه المركّبات جاءت الأجسام البروتينية التي تختلف كثيراً عن البروتينات، والتي يمكن مشاهدتها بالمجهر، وقد أمكن صنعها أخيراً في المختبر، من مواد عضوية. كما أمكن صنع المواد العضوية مخبرياً من مواد غير عضوية. ففي سنة 1953 أجرى ش. ميلّر تجربة على خليط من غازات، NH3 –CH4 –H2O ممرّراً في هذا الخليط تياراً كهربائياً بقوة 60000 فولت، وحصل على حامض أميني هو حامض سيانهيدريك. وفي سنة 1959 أعاد فريق بازنسكي وبافلوسكيا تجربة ميلّر على غازات Ch4 NH3 والماء، بواسطة التيار الكهربائي، فحصلا على أنواع أخرى من الحوامض الأمينية. بعدهما، جاء اْوبّارن مع أعضاء فريقه، وحصلوا من خليط الحوامض الأمينية على جسم بروتيني سمّوه بروتو بيونت. واليوم كثيرون هم الكيميائيون الذين يحصلون على هذه المركّبات في مختبراتهم.
إن الأجسام البروتينية جسيمات هلامية مجهرية تصادف في المستنقعات والمياه الراكدة، بشكل تجمّعات أو مستعمرات لها خواص ونظم مميّزة. إنها تمتلك شحنة كهربائية تتحكّم بوضعها؛ إذا ألقيت في أي سائل مائي لا تتناثر كما اتفق، بل تأخذ وضعاً معيّناً، خاصاً بها، بفعل شحنتها الكهربائية، وما تملكه من تنافل بين الجسيمات من الجنس الواحد، مما يجعل كل واحدة منها، بعيدة عن الثانية، مسافة معيّنة، ثابتة، وواحدة بين الجميع. إنها تملك قوة عجيبة على امتصاص المواد المحيطة بها، مما يجعلها تنمو وتكبر، وهي تعيش في حالة تجدّد وانحلال دائمين. وبما أن خاصّّتي النمو والتوالد هما الصفتان المميّزتان للكائن الحي عن الجماد، فقد اعتبرت الأجسام البروتينية الحد الفاصل بين الحياة النامية والحياة الجامدة. وبما أن البيئة المحيطة بهذه التجمعات تلعب دوراً في حفظها وفي تلفها، فقد زالت التجمعات الضعيفة وغير الملائمة، وبقيت القوية الأكثر ملاءمة. وهذا ما نسمّيه الانتخاب الطبيعي. وكان من جراء ذلك أن بقي الأصلح للحياة، واكتسب خواص جديدة.
بهذه العملية تعلّمت التجمعات كيف تفيد من كل المواد المحيطة بها من أملاح الحديد، والنحاس، والألمنيوم، وغيرها. كما أفادت من التجمعات الأخرى الضعيفة، والتهمتها، وتكاثرت على حسابها... مضت ملايين السنين والطبيعة تعمل بقوانينها، تصقل عملية الامتصاص والإفادة من البيئة. وكان أهم عماد لها، التحوّلات التي تحدث في المواد البروتينية، لتصبح في وضع أفضل وأقدر على مغالبة العوامل الخارجية. وفي تؤدة، تحوّلت االتجمعات البروتينية إلى أجسام تجيد عملية التبادل الغذائي بشكلها الذي نعرفه اليوم. وكان المخلوق الذي صقلته الطبيعة هو بذرة الحياة على الأرض.

الصفحات