"الله الحياة والإنسان"؛ كتاب فلسفي علمي واجتماعي، فلسفي بنظرته إلى الله وإلى الدين؛ علمي بدراسته للإنسان؛ واجتماعي بدراسته للمجتمعات البشرية. لكن على الرغم من أنّ دراسته موجزة ومختصرة، بشكل كبير، إلا أنها تسدّ فراغاً تعاني منه ثقافتنا القومية والوطنية.
أنت هنا
قراءة كتاب الله الحياة والانسان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الخامس
عناصر الطبيعة
إن عناصر الطبيعة المعروفة في علم الكيمياء 105 عناصر أوّلية. تبدأ بالهيدروجين وتنتهي بالهاهنيوم، ولكل منها خصائص كيميائية وفيزيائية مميزة. وقد رتّبت في جدول، عرف بجدول مندلييف الدوري، نسبة إلى واضعه العالم الروسي «مندلييف». باتحاد هذه العناصر مع بعضها بعضاً، وبنسب مختلفة، تتكوّن مواد جديدة، بمجموعها تشكل هذا التنوّع من المواد الذي نصادفه هنا وهناك في العالم. إذاً في علم الكيمياء 105 عناصر أوّلية، هي الأساس لجميع المواد المتواجدة على الأرض، رغم تنوعها وتعددها.
أما في علم الذرة، فهذا العدد يتضاءل كثيراً، ليصل إلى اثنين، أو ثلاثة عناصر أو اسس أوّلية. هنا نرى ان كل الأجسام تتألف من جزيئات متناهية في الصغر تسمى ذرّات. والذرّة هي أصغر جزيء من أيّة مادة، يبقى محتفظاً بخصائص المادة الأم، المميّزة لها عن غيرها. هذا الجزيء، يتألف من إلكترون وبروتون ونيوترون، ثلاثة جسيمات مختلفة الحجم والشكل والخصائص الكهرومغناطيسية. الألكترون متناهي في الصغر، حجمه لا يتعدّى الجزء الواحد من ألف جزء من البروتون. وهو ذو شحنة كهربائية سلبية، يتحرّك بشكل دائم في خطوط دائرية على مسافة معيّنة من البروتون. أما البروتون فهو كبير جدّاً بالنسبة إلى الألكترون، وشحنته الكهربائية إيجابية. أما النيوترون فحجمه قريب من حجم البروتون ووزنه يساوي وزن البروتون والألكترون معاً، وشحنته الكهربائية حيادية.
يرى بعض العلماء أن النيوترون ليس إلّا بروتوناً مضغوطاً إليه ألكتروناً. لذا يعتبر البروتون والألكترون هما الأساس لكل الجزيئات. وبما أن مادة الهيدروجين أبسط المواد، وأكثرها تواجداً في الكون، وتتألف من بروتون وألكترون متّحدين بنسبة واحد لواحد، فقد اعتبر معظم العلماء أن مادة الهيدروجين هذه تحت تأثير الضغط المرتفع والحرارة العالية في الأفران النجمية تتفكّك، وتعطي كمّاً هائلاً من الألكترونات والبروتونات والنيترونات، التي تعود وتتّحد من جديد بنسب متفاوتة، وتشكّل مختلف المواد الغازية والسائلة والجامدة التي نشاهدها في الطبيعة.
لقد تمّ أخيراً اكتشاف ثلاثة أشكال لكل من البروتون والألكترون، فهناك السالب والموجب والمحايد. إذا التقى السالب بالموجب من المادة نفسها، أفنيا بعضهما واختفيا، وانطلقت طاقة نتيجة لذلك. وليست الطاقة التي انطلقت، والمادة التي كانت، واختفت، سوى مظهرين لحقيقة واحدة، هي المادة التي أحسسنا بها بطريقتين مختلفتين.
إذاً، في علم الذرة والطاقة، يبدأ الكشف عن السرّ الذي دوّخ الناس، وجعلهم يفرّقون بين طاقة ومادة، بين روح وجسد. فالطاقة هي مادة، والمادة هي طاقة، والاثنتان شيء واحد، يبدو في مظهرين مختلفين، بالنسبة إلى حواسّنا فقط. وهكذا نصل إلى نتيجة أكيدة، هي أن الطاقة مادة، وأن المادة طاقة. وأن كل ما نرى من موجودات وكائنات، أساسه وأصله مادة واحدة...
هذه المادة الأساس والأصل للكل، التي تتحوّل من مادة إلى طاقة، ومن طاقة إلى مادة، هي أسّ الجماد، هي روح الكائنات الحية، هي جوهر الكون، كل الكون. هي الخالد الأزلي الذي يظهر بألف شكل وشكل، وبصور مختلفة. تفنى الأشكال، ويبقى. تتغيّر الصور، وتزول، وهو دائماً وراءها، وأصلها ومصيرها. إنه نقطة البيكار التي تبدأ منها الدائرة، وتنتهي إليها. إنه سرّ الوجود، والروح الأزلية. إنه الجوهر والمظهر، وهو الأول، والأخير. إنه الأشياء الجامدة والكائنات الحية. إنه الروح والجسد، إنه أنا وأنت، إنه القوة السارية فيّ وفيك، في النبات وفي الحيوان، في الحشرات والميكروبات، في الماء والهواء، في الشجر والحجر، في الكواكب والنجوم، في الأفلاك والمجرّات، في الكون كل الكون. إنه الله، وكل ما نراه وما نحسّ به، ليس سوى صور له متبدّلة ومتباينة. ومن بين تلك الصور كلها، يبرز الإنسان، الصورة الأرقى، والأقرب إلى الكمال، كونه يملك جهازاً عصبياً متطوّراً... الإنسان أنجح صور الحياة التي ظهرت على الأرض، وأذكى تجارب الطاقة، وأسماها على الإطلاق.