"الله الحياة والإنسان"؛ كتاب فلسفي علمي واجتماعي، فلسفي بنظرته إلى الله وإلى الدين؛ علمي بدراسته للإنسان؛ واجتماعي بدراسته للمجتمعات البشرية. لكن على الرغم من أنّ دراسته موجزة ومختصرة، بشكل كبير، إلا أنها تسدّ فراغاً تعاني منه ثقافتنا القومية والوطنية.
أنت هنا
قراءة كتاب الله الحياة والانسان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في الأوراق الخضراء تجري أصعب وأدق العمليات الكيموحياتية أو البيوكيميائية؛ بتأثير النور، وبما يسمى التحليل الكلوروفيلي تتحول الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية، وتشكل أربطة وحلقات تجمع العناصر الأوّلية الآتية سوائل وغازات من التربة ومن الجو، وتؤلّف منها، مركبات عضوية معقّدة ومتنوعة، تخزّن في الجذوع والغصون، وتكثّف في الثمار. وبهذه الطريقة تقدّم غذاءً سائغاً لبقية الكائنات الحية، تلك التي لا تستطيع الإفادة من عناصر الطبيعة الأوّلية. فالنباتات تكوّن القاعدة الضروربة والأساس لبقية تشكّلات الحياة وممالكها. وهي الأقدم والأكثر أصالة. في مختبراتها الصغيرة، وفي مطابخها البسيطة، تطهى وتحضّر من المواد الأوّلية، كل أصناف الكربوهيدرات، ماءات الفحم، من سكريات ونشويات وشحميات وزيوت منوعة، وكذلك البروتينات والفيتامينات.
النباتات تتجدّد وتتكاثر بطرق وأساليب مختلفة، اكتسبتها من الماضي، وتناقلتها حتى الحاضر، كصفات وراثية، قلما تتغيّر أو تتبدّل على المدى المنظور. منها ما يتكاثر بالطرق البسيطة غير المعقّدة، مثل الفسل، والامتداد على الأرض إلى مسافات قصيرة، وحيث يصادف الفرع الممتد رطوبة في التربة، يبعث جذوراً، ويستقل عن النبتة، الأم، عاطياً نبتة جديدة. مثل المدّيدة والنجيل والنعناع والدوالي... ومنها ما ينبت على جذع النبتة الأم، نبتة صغيرة تنمو وتتهيأ لتستقل إذا صادفتها ظروف مؤاتية، مثل شجيرات الموز والقصب وكثير من الصبّاريات. ومنها ما يتبع في تكاثره وتجدّده طرقاً أكثر تعقيداً، وأوسع انتشاراً، وذلك بواسطة الحبّ والثمر، وهذه الطرق الأخيرة تعتمد على الزهر. ففي الزهرة تكون أعضاء تذكير اسمها سداة، وأعضاء تأنيث، تتألف من جزئين متصلين هما: السمّة والمدقّة. السداة تحمل غبار الطلع الذي هو ليس سوى حبيبات اللقاح المذكرة، وبأعداد كبيرة جدّا. أحياناً تستقلّ وحدها في زهرات خاصة بها وعلى نبتة أو شجرة خاصة لا تحمل غير الأزهار المذكّرة، في وقت تكون أعضاء التأنيث مستقلة في زهرات خاصة بها وعلى أشجار أخرى مؤنّثة، كما هو الحال في شجر النخيل وفي نبات القمبز. وفي أغلب الأحيان تكون أعضاء التذكير وأعضاء التأنيث مجتمعة في زهرة واحدة، وعلى شجرة واحدة، كما هو الحال في زهر التفاح والرمان والخوخ. عندما يزهر الشجر، تفرز الأزهار رحيقاً، تفوح منه رائحة قويّة تجذب إليها الحشرات من نحل وفراش وزيزان وعناكب، وهذه بانتقالها من زهرة إلى زهرة، ومن شجرة إلى شجرة، طلباً للرحيق، يعلق على قوائمها كثيرة الوبر، غبار الطلع، وينتقل معها من الزهرة المذكرة أو من سدات الزهرة الحاوية أعضاء التذكير، إلى الزهرة المؤنثة، ويتساقط على السمة التي سرعان ما تمتصه وتنقله إلى المدقة حيث يتم التلقيح. ليست الحشرات وحدها هي التي تتكفّل عملية نقل اللقاح من السداة إلى السمة، بل هناك الريح التي كثيراً ما تساعد في إنجاز هذه المهمة، خصوصاً عندما تكون السداة والسمة في زهرة واحدة.
في الزهرة المؤنثة تلتقي الخروموسومات الممثلة بالطلع مع البويضات الموجودة في المدقة، ويبدأ تشكّل الثمر الذي يضم بداخله البزر أو الحب. البزر والحب يشكّلان أسلوباً متطوراً للتكاثر عند النبات، بواسطته يمكن للنبتة أن تعطي العديد من البزور أو الحبوب التي يمكن نقلها بواسطة الهواء والماء والحشرات والطيور والحيوانات و الإنسان، وحملها إلى أماكن بعيدة عن موطنها الأول، حيث تجد بيئة صالحة للإنبات، فتنبت وتتكاثر.
هناك طرق عديدة للتكاثر عند النبات، منها: طريقة الثمر تحت الأرض، كما هو الحال في فستق العبيد والبطاطا التي تبعث جذورها باتجاهات مختلفة من التربة وعلى الجذور تتكون درنات كثيرة تكون بمثابة الثمر، وهناك النباتات البحرية، وأنواعها كثيرة وغير مدروسة بشكل جيد.
على حساب مملكة النبات هذه وما تهيئه من مواد غذائية في أوراقها وغصونها وجذوعها وجذورها وثمارها، يعيش القسم الأكبر من مملكة الحيوان الذي تدخل في عداده الحيوانات البرية مثل الغزلان والأفيال والأرانب، والحيوانات الأليفة مثل البقر والخيل والغنم، ومعظم الطيور والعصافير والحشرات، تلك التي تأكل وتتغذى بالحبوب والأعشاب. ناهيك عن الحيوانات البحرية مثل الأسماك وفرس النهر وغيرها وغيرها. أما القسم الآخر من الحيوانات والطيور والأسماك والحشرات، تلك التي نسميها حيوانات مفترسة وطيوراً كاسرة وحشرات طفيلية، فلا يستطيع الاستفادة مباشرة من النبات، ويعيش على حساب الحيوانات الأخرى. يتغذى باللحم وبالدم، ويتميز بأنياب حادة ومخالب تأخذ شكل السكين، وأنابيب ماصة. إلى هذا الفريق تنتسب الأسود والنمور والثعالب، والأسماك والعناكب والبعوض والبراغيث.
إن عالم الحيوان واسع ومتعدّد الأشكال والأحجام، يتواجد في كل مكان يتواجد فيه عالم النبات. والإثنان عالم الحيوان وعالم النبات صورتان للحياة متلازمتان، يصعب تصوّر أحدهما دون الآخر.
الحيوانات تقسم من حيث التغذية إلى قسمين: أكلة الأعشاب، وأكلة اللحوم. ومن حيث السكن: إلى مائية، وبرّية، وقسم مشترك برمائي. أما بالنسبة إلى الحجم فمنها الضخم ومنها الصغير، ومن حيث الحركة، تقسم إلى زواحف، وطيور، وذات قوائم تسير عليها. ثم هناك الحشرات، وهي كثيرة ومتنوّعة، منها النحل والدبابير والزراقط، والنمل والقمل والبراغيث، والفراش والذباب والبعوض، و... و... كل هذا يدخل ضمن المرئيات التي تشاهد بالعين المجرّدة.
وقد بقي الإنسان إلى فترة قريبة، يعتقد أنّ عالم الأحياء لايتجاوز المرئيات، ولم يتصوّر أن الحياة تضجّ في كائنات صغيرة لا يمكن مشاهدتها بالعين المجردة، حتى كان القرن السابع عشر، وجاء أنطوني ايفن هوك، بائع الخرضوات الهولندي الذي كان هاوي عدسات مكبّرة يتأمّل فيها كل ما يقع بين يديه، ونظر ذات مرة من خلال عدسته المكبّرة إلى نقطة ماء تجمّعت من المطر. وشدّ ما كانت دهشته كبيرة، عندما شاهد فيها كائنات حية تتحرّك. فكانت ولادة علم البكتريالوجيا الذي يدرس الكائنات المجهرية، والذي تركّز وتقدّم على يدي باستور وكوخ وغيرهما ممّن دخل حلبة السباق على صيد الميكروبات، في محاولة الكشف عن أسباب المرض. وبتقدم العلم وتطوّر صناعة المكبّرات، تمّت صناعة الميكروسكوب الألكتروني الذي يكبّر من 50000 إلى 500000 مرة، والذي بواسطته استطعنا مشاهدة الفيروسات، أدق الكائنات الحية التي قد تكون الحد الفاصل بين عالم الجماد وعالم الحياة والحركة.


