قراءة كتاب أنثاه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أنثاه

أنثاه

رواية "أنثاه"؛ مفترق طرق، حينما نتأمل الطرق ونعتمي درباً سلكناه، فسواء كنا فيه نوراً يضاهي شدة ظلام أو بعض رماد لفتات احتراق، فإننا نحتاج دوماً إلى وضوح صورة أن نكون أو لا نكون؛ فالتمسك بأوسط الصور قد لا يسمن ولا يغني من جوع، إما بداية وإما نهاية!

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 6

صديقتي سئمت حباً لا يعني إلّا أنه يقتلني، فقط لو تعلمين أني في كل مرة أشتاق إليه فيها أود لو أنزع قلبي وأتركه له، فما أفادني إلّا بعشق رجل أدماه بوجع لا يرحم.
ـ أجابتني بطريقة الفلاسفة: الحب لن يكون يوماً درع آمان لاختراقات الحنين وثورة عشق دفين، الحُب يورطك ولا يُغنيك عن الوجع الكثير، لذا أيقنت أنَّ الحب لا يحمى الأغبياء...
وما أن انتهت من فلسفتها العظيمة حتى رحت ألاحقها بمرارات لم تكن بحاجة لسماعها مني على الأقل في حالتي تلك.
فهي تريدني أن أسمع بعقلي بعيداً عن هذيان قلبي وتسيده لكارثة هواي لفياض.
لا أدري صدقاً، قد يكون حظي أنني أحببت رجلاً لا يهمه إن متُّ فيه أو بدونه، أو أنّ المهم أن أموت معه على أن يموت مع غيري.
تعرفين يا ندى ربما يظن بأن جرم الغياب قد يُدرب روحي على الفقد بطريقة أو بأخرى من دون أن يحسب حساب لتعلّقي به أكثر بذنب الانتظار الذي اقترفته معه!
رأيتها تحاول الإفصاح دون حدوث أي ضجيج لا أحتمله بأعماقي أكثر مما أنا فيه وعليه..
قالت بهدوء: قد يكون غيابه رحيلاً منذ البداية لكنكِ أنتِ من يُعيده في كل مرة يرحل فيها..
ـ كيف، لمْ أفهم ما تقصدين يا ندى؟
ـ أجابتني بهدوء أكبر: أعني أنّ الإفراط في العطاء منكِ له يجعله في موقف صعب كالرحيل أو ربما يُرعبه فقد العطاء المندفق عليه، أو أنه يخجل البوح بالرفض الصريح ومن غير المعقول أن يردّ بمثل ما أنتِ عليه معه. ثم نادتني وكأنها ترجو الإنصات بعمق: بيلسان، أنتِ هبة لمن يحبه الله.. فمن الصعب جداً لفظ نعمة عظيمة كأنتِ، في عطائكِ له لم يتخلل ذلك أيّة مصالح، كل ذلك كان بدافع الحب، وذاك وحده نادر غير أنه لا يقدر بثمن، حبكِ له تعدى حدود الكرم.
مُسرفة أنتِ في كل شيء معه، ولا أظن بأعظم من انتظاركِ له وهو لا يأتي أبداً.
وأنا أسمعها، شعرت برغبة في البكاء دون توقف ولا أدري لمَ! حاولت التماسك وهممتُ بالتبرير الذي أنهك حقيقتي معه: اسمعيني يا ندى ربما لأني لا أفهم الانتظار في (كيف، متى وإلى) فلا الذنب ذنبه أو حتى هو ذنبي.. مات أبي ولاأزال أنتظره.
بعد آهات أطلقتها شعرت بها تحرقني قالت: لا أدري حقاً.. قد أبدي برأي لا يُعجبك رغم أني لا أعني فيه فيّاضك ذاك بأم عينه، هو رأي خاص بمجتمعي الفقير برجالات الحب، وذاك صدقيني قد لا يختلف عن غيره مع كل المحبة لكِ يا مجنونة.
ـ وما هو؟
استدارت نحوي كأنها تبحث عن ردة فعل تقرأها في عيني: اسمعيني جيداً، ما لا يعلمه الكثير بأن الرجولة الحقيقية نادرة، فالذكور يملأون المحيطات، وأي ذكر لا يستطيع الحفاظ على أنثاه هو حتماً ناقص رجولة، فالرجولة تتطلب مقاييس ثقيلة جداً لا يحتملها أي ذكر!
لم تجد مني أي رد فعل، كنت أنصت بذهول، ندى باتت كسفانة تفلسف الأشياء وكأنها تحاول أن تشدني نحوها أكثر، ربَّتت على كتفي سائلة: أتفهمين عليّ أم ماذا؟
ـ لم أناقشها عن شخص فياض، فقد علمت ما تطرقت إليه فأجبت: إذن أنتِ نسيتِ المشكلة الكبرى، وهي بأن معظمهم لا يدرك الفرق بين الذكر والرجل، ففي داخل كل رجل (ذكر) لكن من الصعب جداً أن نجد داخل كل ذكر (رجلاً)، الذكر تُملي عليه رغباته وشهواته كلّ أفعاله، والرجل الشهامة والأصالة تتسيّد حكايته.
سألتني بطريقة وكأنها تُفتش عن إجابة تختم بها الحكاية: إذن أجيبيني يا حبيبتي أهو يدرك مدى حبك إياه؟
أجبتها بهدوء: ربما..
تابعت تُعدد فصولاً كانت ثابته لي معه: لو أنه يعلم ما الذي يزيد أنثاه وجعاً لما كان هذا حالك معه، بيلسان أشعر بأن كل شيء بك له، عالقة أنتِ به حد الثمالة.
لا أدري ما أصابني لحال كنت فيه أهذي: أنا متورطة به جداً، صوته يا ندى لا يزال رنينه في أذني يُشاكس كل خلية تسكنني، برغم أنه منذ البداية لم يكن الرجل الذي أحببت قط، لم يكن يُحبني كأي عاشق مجنون أو حتى أنه يدللني كرجل يُتقن الحب لأنثاه، لم أشعر به كأب يحميني ولم ينهرني كأخ، وأبداً لم يكن كأي صديق وبرغم كل ذلك أحببته يا ندى.. أحببته جداً.
أجيبيني أنتِ يا ندى، أكنتُ غبية حينما وهبته فوق عمري أحلامي حتى أصبحت بعده بلا عمر أمضي به كحال البشر، فلا أحلام أملك ولا حياة أستطيع أن أتقبل أنفاسها بدونه، هو قتلني بلا رحمة.
أتعرفين، أعظم ما في ابتلائي به هو أنني أحبه إلى الحد الذي يُنسيني نفسي.

الصفحات