قراءة كتاب أنثاه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أنثاه

أنثاه

رواية "أنثاه"؛ مفترق طرق، حينما نتأمل الطرق ونعتمي درباً سلكناه، فسواء كنا فيه نوراً يضاهي شدة ظلام أو بعض رماد لفتات احتراق، فإننا نحتاج دوماً إلى وضوح صورة أن نكون أو لا نكون؛ فالتمسك بأوسط الصور قد لا يسمن ولا يغني من جوع، إما بداية وإما نهاية!

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 7

أوقفتني بحدة:بيلسان، إيّاكِ والعودة إليّه.. إيّاكِ.
تابعت البوح إليها وأنا أسابق غصّة البكاء بين الكلام وانسكاب حرقة الوجع بالدموع: وإن عدت إليه في كل مرة هو يغيب، فأنا لمْ أكن امرأه رخيصة حينما أوشكت البكاء إليّه راجية بقاءه. أنا فقط كنت أماً لصغار أنجبتهم ذات حلم به، فخشيت اليُتم قدرهم وأنا يتيمة وأفهم كيف يُولد طفل بلا أب.
ندى: أخاف شعوري به يضطرني لأن أقسم بأني أنجبته وأنا لاأزال عذراء، فكأن روحه تنفث في رحم قلبي وأنجبته!
ـ بيلسان بربّكِ ما هذا الجنون.. أرفقي بنفسك أرجوك.
أتدرين، أشعر بأنه جعلني من أكثر الناس كذباً على أنفسهم، أوهم نفسي بأنه أحبني ولو قليلاً؛ حتى لا أبكي نفسي وجعاً لا يُمكنني بعده الصفح عنه، ياه يا صديقتي، به كنت أماً ترجو السعادة لصغيرٍ كان لديها كل الحياة، ففي الحب نحن النساء نحبهم رجالاً ونتورط بهم أطفالاً، فالطفولة بالرجل أشبه بالورطة تجعل منا عذراوات وكأنما الحب تجاوز بنا شغاف القلب إلى حدّ الإنجاب!
هذه المرة أوقفتني مُجبرة: كُفي عن الحديث عنه، فأنا أشعر بالأسى على حب أهداكِ كل هذا الوجع، بيلسان ثمة صور في الوفاء تُشكل إهانة وتقلل من شأن الكرامة لإنسانيتنا، فالحياة كريمة لا تقبل الذل، وهو فعل بك ما يكفي، فماذا بعد كل هذا يا بيلسان ماذا؟
أتذكرين حكاية السيد (علوان) حينما تشكل الوجع بنا جميعاً إلى الحد الذي لم نفهم به معنى سقف الكفاية، كحكاية يشوبها الحزن الأسود من رجل يكتب لامرأة تركته خلفها زاهداً بالحياة، مُفرطاً في الاندثار نحو زوايا الموت الضيقة، وأنتِ تذكرينني به، كلاكما يُخيط حروف رواية لأشخاص ربما كانت لا تدرك معنى أن يكتب المرء حُباً بمثل رواية، وكأن الحُبّ خُلق ليكتب دونما أن يُعاش، بيلسان أخشى عليكِ بأن تكوني بشأن جنونكِ هذا عارية تماماً من أي ثوب طُرز بالسعادة.
قاطعتها بأمل تلك الحكاية: علوان في سقف الكفاية كتب متوسداً الوجع لأنثاه حتى عادت، ومن يدري يا ندى ربما يعود مثلما عادت مها، فأنا والله أكتبه حُباً وشوقاً وكأني على الدوام أنتظره، كتبت إليه رسائل عديدة، وفي المساء ذاته الذي قادني إليّه بحروف أشواق ونبض حب، أنغامه لحن لا يعاد وكأن أحلامي تراقصت على أمل أغناني وبحبه أرواني، وكأنه أجمل سكون له صدى ينعش الروح، كان يدرك بأي أنثى أكون وبأي رجل هو، تعرفين لو أنني لم أحتفظ به في أعماقي ولم أتركه يتجول بين خلاياي لما شرعت بولادة حرف يسكنه هو.
أكتب كثيراً يا ندى، أكتب إليه بشتى حالاتي بين هدوئي وغضبي، وبين صراع عقلي وروحي، بين ثورة ذاكرتي وقليل جداً من نوبات طالها النسيان يوماً ما.
تحدثت وهي تحاول أن توقظني مما غرقت فيه: ربما يظنك نسيتيه، فغيابه يحتمل هذا.
ـ كيف والحنين يقصف أعمارنا بمجرد احتياجها لبعض من كثير نسيان، فلا أدري إن كان يظن بأن النسيان كفيل بأن يمحي الجراح كأن يطعمني بقليل من فرح على طبق ذاكرة يُقدم في العمر في كل مرة نحتاج فيها أن نُخلق من جديد، ربما لو أصابني الخرف، أغضب كثيراً في غيابه حتى أدركت بأن الغضب مذنب أيضاً بالذاكرة، ففي الحقيقة هو يجعلنا نتذكر ما نرغب بنسيانه.. فلا ننسى.
شاركتني حديث النسيان وكأنها تخبرني بآسى: نحن لا نشقى إلّا بذاكرة وضيعة تلتصق بقمم الذاكرة وكأنها تنتقم منّا لذات حاضر أضعناه أو ماضٍ فَرّ من أيدينا.
ـ أتعرفين كنت أدعو الله بأن يهبني منه لطفاً ورحمة تنعش روحاً به ماتت أو ينفث في روحي نسائم نسيان تحلق بي إلى الحياة من جديد، فتباً له، ابتليت بهواه، أنسى الكثير ولا أنساه، مريضة أنا به، فكل خلية في جسدي تذكرني به ولا أنساه.
أمسكت يدي وهي تقول: ياه، أحزن كثيراً لحال النساء يتقوقعن انتظاراً وترقباً لحب انتهى قبل أن يبدأ، تعاطينا مع الحب مُريب لأننا نفرط به، وغالباً ليس هناك من يستحق، فالحب فقير جداً للرجال.
أتساءل متى سأكون أنثى للنسيان بعدما أحلامي به فاقت الواقع بكثير، تعدت الفستان الأبيض بأربعة أطفال، ثلاثة منهم يشبهونه، وواحد فقط يُناصف الشبه فيما بيني وبينه.. أتراه يكون طفلنا الأول؟
لو أنه يعلم ماهية انتظاري إليه تُرى أكان يعود؟ وأنا التي انتظرته كثيراً أزرع أطفالنا أحلاماً وأطوق الأماني به بين مشيب وسلالة أحفاد ولكنني لم أحصد سوى الغياب.
صرخت بي باكية: لو أن الغياب امرأة لوأدته، ولو أنّ الحُبّ رجل لقتلته.
أتعرفين، بت أشعر بأن الغياب رجل فاسق، ذو قلب أجوف، أسود الوجه، والانتظار امرأة عجوز، شاحبة مُصفرة القلب، ذات عينين دامعتين، تكتنز الملح بين جروح عميقة وليتها تموت!
كانت تتحدث بغضب أربكني حتى بكيت.. لكني هذه المرة بكيتك لحاجة وددت بها أن تُخبرني أكنت أملك منك قليل شعور، على سبيل المثال، حُباً يشبه ود الأصدقاء أو حتى احتراماً يكتنزه بعض من الغرباء، آه يا فيّاض ليتك تُخبرني كيف لي أن أجدك في كل مكان، ما أن تفيض ذاكرتي بك إلّا وكنت مُبعثرة في جميع الأرجاء حتى لو أنني أشرع أبواب كتاب وجدتك فيه، أخبرني بأي شيء أخبر به ندى بأنك أحببتني كثيراً، ولو أنك تشعر كم أحتاج لأن أمضي صوب النسيان حيث لا أعرفني، أرجوك قل لي أين يُباع النسيان لأشتريه بعمر مضى وإياك، دُلني حيث لا ذاكرة تُبكيني ولا حنين يُفزعني، أو حتى صديق يخذلني ولا أنت تتركني، فبربك كيف أمضي حيث لا أعرفني، أمن طريقة لديك؟
اقتربت تضمني بشدة وكأنها تَربت على أوجاعي حتى هدأت.
ثمة حقيقة أدركتها، نحن لا نبكي إلّا حُباً أنهكه سوء أدب في الغياب.

الصفحات