أنت هنا

قراءة كتاب التائهون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التائهون

التائهون

رواية "التائهون"؛ "في التائهون، أستلهم فترة شبابي بتصرف شديد. فقد عشتُ تلك الفترة مع أصدقاء كانوا يؤمنون بعالم أفضل. ومع أنَّ لا شبه بين أبطال هذه الرواية وبين أشخاص حقيقيين، فهم ليسوا من نسج الخيال تماماً.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

3

لم يكن أحد ينتظره في المطار. ذلك التفصيل المزعج إنما السخيف الذي كان يجدر بآدم بالتأكيد أن يتوقعه لأنه لم يخطر أحداً بمجيئه أثار في نفسه فيضاً من الحزن وبلبلة ذهنية عابرة. اضطر إلى أن يبذل جهداً لكي يتذكر بأنه قد حط توّاً الرحال في مدينته الأم، في بلده.
20 نيسان، تتمة
اجتزت الجمارك، ناولت جوازي، استرجعته، وخرجت أجيل نظرة طفل تخلى عنه أهله وسط الناس. لا أحد. لا أحد يخاطبني، لا أحد ينتظرني. لا أحد يتعرف إلي. جئت للقاء شبح صديق، وها قد أصبحت بدوري شبحاً.
يعرض عليَّ سائق تاكسي خدماته. أوافق بنظرتي وأدعه يحمل حقيبتي إلى سيارته الدودج العتيقة المركونة بعيداً جداً عن الصف النظامي. من الواضح أنه تاكسي جوال، بدون لوحة حمراء أو عداد. لا أحتج. تزعجني تلك الممارسات عادة، ولكنها تنتزع مني ابتسامة هذا المساء. تعيد إلى ذاكرتي بيئة مألوفة، وردود فعل يمليها الحذر. أسمع نفسي أسأل الرجل بالعربية وباللهجة المحلية، كم ستكلفني التوصيلة، فقط لأتجنب عدم لياقة اعتباري من السواح.
في الطريق، كدتُ أتصل ببعض الأقارب والأصدقاء. كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل، أو قبيل ذلك بخمس دقائق تقريباً، ولكني أعرف أن بعضهم لن يمتعض، وسوف يصر على دعوتي للمبيت عنده. وفي نهاية المطاف، لم أتصل بأحد. اجتاحتني فجأة الرغبة بالبقاء لوحدي، لا يعرفني أحد، مثل المتسلل خفية.
بدأ هذا الإحساس الجديد يروق لي. الإحساس بالتخفي في بلدي، وسط أهلي، في المدينة التي ترعرعت فيها.
كانت غرفتي في الفندق فسيحة، والأغطية نظيفة، ولكن ضجيج الشارع يعلو حتى في تلك الساعة المتأخرة من الليل، وكذلك الخرير العنيد لمكيِّف لم أجرؤ أن أطفئه خوفاً من الاستيقاظ والعرق يتصبب مني. لا أظن أن الضجيج سيمنعني من النوم. فقد كان النهار طويلاً، ولن يلبث جسدي أن يتخدر، وكذلك ذهني.
جلست على السرير، ولا ضوء في الغرفة سوى ذلك المنبعث من المصباح الموجود جانباً، ومراد لا يفارق بالي. أحاول أن أتخيله كما من المفترض أن يكون الآن. في لقائنا الأخير، كان في الرابعة والعشرين، وأنا في الثانية والعشرين. أذكر أنه كان ميسور الحال، شرس الطباع، كثير الزعيق. ومن المؤكد أن المرض أوهنه منذ ذلك الحين. أتخيله الآن جالساً في بيت أسرته القديم، في الضيعة، في كرسي المقعدين، ممتقع السحنة، وعلى ركبتيه غطاء صوفي. ولعله في المستشفى، على سرير معدني، تحيط به أنابيب المصل، والأجهزة الوامضة، والضمادات؛ وبقربه الكرسي الذي سيدعوني للجلوس عليه.
غداً، سأعرف.

الصفحات