أنت هنا

قراءة كتاب التائهون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التائهون

التائهون

رواية "التائهون"؛ "في التائهون، أستلهم فترة شبابي بتصرف شديد. فقد عشتُ تلك الفترة مع أصدقاء كانوا يؤمنون بعالم أفضل. ومع أنَّ لا شبه بين أبطال هذه الرواية وبين أشخاص حقيقيين، فهم ليسوا من نسج الخيال تماماً.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

«ستسنح لنا الفرصة بعد للتكلم في الموضوع».
«أنت تتهرب!».
«كلا، تانيا، لا أتهرب. ولكننا لن نقرر كل شيء في هذه اللحظة. أولاً، سأكتب إلى الأصدقاء لاستمزاجهم، ثم، نقرر ما سنفعل».
كررت على مسمعه: «أنت تتهرَّب! غداً، سترحل، وسيصبح المشروع في خبرٍ كان. كان بودِّ صديقك حقاً أن...».
واختنق صوتها.
«أقترح أن أمر بك هذا المساء، فنتحدث بهدوء عن جمع شملنا ليتسنى لي تقديم اقتراحات محددة للأصدقاء. أيناسبك ذلك؟».
لم يكن آدم يحاول فقط اختصار مكالمة تربكه. كان حريصاً بالفعل على رؤيتها قبل رحيله. يتملكه الإحساس بأنه لم يبق طويلا ًإلى جانبها. ففي نهاية المطاف، لقد قام بهذه الرحلة نزولاً عند طلب تانيا، وبالكاد كلَّمها. واكتفى بتلك الزيارة المقتضبة إلى المستشفى، وذلك العناق الصامت تقريباً. وقال لنفسه إنه يجدر به أن يمضي معها بعض الوقت، لا سيما إذا كان يعتزم السفر قبل المأتم.
«قولي لي متى تكونين لوحدك، في المساء! سآتي لرؤيتك».
خيَّم صمت طويل جداً. ولولا الأصوات التي كانت تنبعث في الخلفية، لخال المرء أن الخط انقطع.
وعندما ردَّت أرملة مراد أخيراً، استشف محدثها في صوتها بحة متهكمة.
«مسكين آدم، لقد أصبحت بالفعل مغترباً. تسألني متى أكون لوحدي؟ لوحدي، في هذا البلد، في مثل هذا اليوم؟ إعلمْ أنني في الضيعة، في البيت القديم، وأن من حولي نحو مئة شخص، بل لنقل مئتين، من الجيران والأقارب والمعارف، وكذلك أشخاصاً لم أرهم من قبل في حياتي. إنهم منتشرون في كل مكان، في الصالونات، وفي المطبخ، وفي الأروقة، وفي الغرف، وعلى الشرفة الكبيرة، وسوف يظلون هنا طوال الليل وفي الأيام القادمة. لوحدي؟ هل تظن أنني كنت سأبقى لوحدي؟ إذهبْ، سافرْ، بدون أن يعتريك الندم. إركبِ الطائرة، وعُدْ من حيث أتيت، عُدْ إلى باريس، وسنلتقى فيما بعد، في ظروف أخرى».
لم يكن بوسع آدم الرد على تانيا بالنبرة نفسها، في اليوم الذي فقدت فيه زوجها. فاكتفى بالقول مع أنه تضايق من كل هذه العدائية: «وهو كذلك! نلتقي لاحقاً. الله يخليك بصحتك!
قبل أن ينهي المكالمة.
لم أستحق هذا الهجوم!كنت أحاول أن أعرب لها عن مودتي واهتمامي. كنت أحاول أن أجاري ما تتمناه. لا شيء يبرر هجومها عليَّ بهذا الشكل.
لعلِّي أخطأت حين سألتها إذا كانت ستكون بمفردها. لا بد أنها استشفت في سؤالي استخفافاً أو شفقة. لم أقصد سوى القول إنني سأنتظر قبل زيارتها أن يغادر زوارها، وأن تكون لوحدها مع المقربين منها. ولكن ما قلته لها كان مجرد ذريعة لها. والسبب الحقيقي لغضبها أنني رفضت إلقاء كلمة في مأتم مراد، وربما، في الأصل ما شاب علاقتنا من خصام طويل كان بوسعي أن أضع له حداً نهائياً لو قبلت بالضبط إلقاء كلمة تأبينية عنه. ولكن لا أحد سيرغمني على القيام بذلك، لا بالتملق ولا بممارسة الضغط، فكيف بهذه النوبة من العدائية.
وعبثاً حاولت التفكير بتعقل، فلم أفلح في استعادة هدوئي! إنني أشعر بالإستياء!
أكثر ما جرحني في هجوم تانيا أنها طلبت إلي «العودة إلى بلدي». ربما أصبحت أعتبر باريس مثل «بلدي». ولكن ألا يجوز لي القول بأنني كذلك في بلدي في مدينتي الأم؟ لا شيء يجيز لشخص ما، أكان صديقاً أم لا، في حداد أم لا، أن يذكرني على هذا النحو بوضعي كغريب.
بما أن هناك رغبة بطردي ، فسأبقى! وأنا وحدي سأختار ، على راحتي ، موعد رحيلي.

الصفحات