أنت هنا

قراءة كتاب التائهون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التائهون

التائهون

رواية "التائهون"؛ "في التائهون، أستلهم فترة شبابي بتصرف شديد. فقد عشتُ تلك الفترة مع أصدقاء كانوا يؤمنون بعالم أفضل. ومع أنَّ لا شبه بين أبطال هذه الرواية وبين أشخاص حقيقيين، فهم ليسوا من نسج الخيال تماماً.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

شعرت أمام نزقه الصبياني بأنني شيخ حكيم.
«أتظن أن هناك خط وصول يمكنك أن تذهب وتنتظرنا عنده؟ لا تنخدع! ففي مسيرة الزمن، سيكون هناك دوماً، وأينما كنت، قبل وبعد، أشياء صارت خلفك، وأشياء سترتسم عند خط الأفق، ولن تأتي إليك إلا ببطء، يوماً بعد يوم. ليس بوسعك أن تشمل بنظرتك كل الأمور، إلا إذا كنت الله...».
قفز بلال من مكانه، عندما سمع هذه الكلمات، ثم ذهب ووقف مباشرة تحت وابل المطر، وهو يصرخ كالممسوس:
«الله! الله! يا لها من مهنة جميلة!».
وبعد ثمانية أيام على حديثنا، توارى عن الأنظار. لم يعد يتصل بي، وانقطعت أخباره عن جميع أصدقائنا. كنا جميعاً نعتقد أنه مع حبيبته.
صادفته مرة واحدة في مكتبة الجامعة. جاء لينسخ بعض الأوراق.
همست معاتباً: «ما عدنا نراك».
فوضع إصبعاً على شفتيه وقال: «صهْ! إنني أتدرب! فلو شاء المرء أن يكون الله، عليه أن يتخفى!».
وضحكنا معاً للمرة الأخيرة.
في ذلك اليوم، جاء لنسخ منشور أو ملصق. وحين اقتربت منه، أخفى كل شيء. لم ألح عليه. اقترحت عليه أن نخرج لشرب فنجان قهوة، ولكنه تهرَّب متذرعاً بحجة ما. ولن أراه حياً بعد ذلك اليوم.
وفي أحد الأيام، في أواخر تشرين الثاني، وكان الثلاثين أو التاسع والعشرين من ذلك الشهر، تلقيت اتصالاً هاتفياً من مراد، في ساعة مبكرة.
«لدى نبأ سيء، لا بل نبأ مشؤوم».
في اليوم السابق، حصل تبادل لإطلاق النار في أحد شوارع العاصمة بين مجموعتين مسلحتين. تكاثرت هذه الحوادث، فصرنا لا نعيرها أهمية تذكر، إلا حين يقع عدد كبير من الضحايا. وفي ذلك الحادث، جرح مقاتل واحد. وسمعت الخبر على الإذاعة، ولكنه لم يستوقفني. كان خبراً من بين أخبار أخرى.
توفي ذلك المقاتل متأثراً بجراحه، وكان بلال.
سألت مراد : «أكنت تعرف أنه حمل السلاح؟».
أجابني: «كلا. لم يخبر أحداً، ولكن الأمر لم يفاجئني. وأنت كذلك، على ما أظن...».
كان لا بد لي من الاعتراف بأني لم أعرف شيئاً، من جهتي، ولم أفطن إلى شيء، ولم ينبئني حدسي. فأن يكون أحد أصدقائي المقربين، وهو شاعر، ومثالي، وزير نساء، قد رغب بالانضمام إلى ميليشيات الليل، وبيده رشاش، لإطلاق النار على الحي المقابل، لا، صدقاً لم يخطر ذلك ببالي.
بعد ستة أشهر على موت بلال، سيحصل هروب آخر في صفوفنا: هروبي.

الصفحات