رواية " الدكتورة هناء "، تأليف ريم بسيوني، والذي صدرر عن مكتبة مدبلولي عام 2008 ، نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب الدكتورة هناء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الدكتورة هناء
- ربنا يخليك يا دكتورة.
كان خالد طالباً مثالياًّ ، وكان مطيعاً ، وكان خدوماً ، وكان يعمل بجد ونشاط ، وكان فقيرًا. وكانت ترى فقره في هواياته وعمله المستمر وحنقه على الأغنياء ، وطريقته البسيطة في التعبير الصريح أحيانا عن نفسه ، وطريقته المحنكة في البعد عن الصراعات.
قالت في فرح: هل يمكنك أن تساعدني في تصحيح هذه الأوراق؟..أنت تعرف يا خالد عندي مؤتمر غداً ، ولو لم أنته من تصحيح كل الامتحانات لن أستطيع الذهاب إلى المؤتمر.
قال في تلقائية: بالطبع يا دكتورة. تحت أمرك. اتركي لي نصفهم، وسوف أسهر عليهم اليوم.
قالت مسرعة: لا. هذه مسئولية. يجب أن تصححها أمامي. معلهش يا خالد أنا عارفة إنك خدوم. ممكن تيجي تصححها عندي.
نظر إليها في شيء من الفزع ، ثم قال: لو حضرتك سبتيهم أنا ..
قاطعته: خالد لن أستطيع أن اتركهم ، وأنا فقط أطلب منك أن تصححها في بيتي ، وأنا لست وحيدة في البيت.
تنفس في ارتياح قائلاً: أنا آسف كنت أظن أنك..بالطبع سآتي. بعد صلاة المغرب كويس؟ أصل عندي شوية مشاوير.
قالت في انتصار : آه كويس جدًّا.
أضاءت نور الصالة الكبيرة وألقت بالامتحانات على المنضدة الكبيرة. كان بيتها قديمًا ، كان بيت والديها..و هنا ودعتهما الاثنين ، وهنا ستقضى بقية عمرها ، ربما وحيدة ، وربما لا. هنا عاشت معظم الأربعين عامًا ، وأحبت بيتها ، وأصبح لها عادات محددة لا تستطيع العيش بدونها. كانت تقتصد في الكهرباء على عكس أختها ، وكانت تطفيء النور حتى الساعة السابعة مساءً كل يوم وفي السابعة تضيء نور حجرتها فقط ، وتبدأ في القراءة واحتساء القهوة. وقبل النوم كانت تفتح الشباك الكبير في حجرة نومها ، وتتنفس في عمق ، وتنظر إلى الشارع المزدحم في الزمالك ، وتشرب الكاموميل الذي نصح به البعض والذي تشربه قبل النوم منذ عشر سنوات عندما ماتت والدتها. ثم تذهب إلى سريرها ، وتتمنى النوم كما يشتهي الرجل امرأة يعشقها. وأحياناً يأتي ، وأحياناً لا يأتي.
وكانت دكتورة هناء حريصة ومنظمة. وكان لكل شيء مكان في المطبخ ، وكانت لا تأكل الحلويات سوى عندما تزور أختها. وكانت تأكل اللحم مرة في الأسبوع فقط ، وتعشق اللحم المشوي، ولا تحب الشوي. كانت تشتري اللحم من محل حاتي ، ثم تبدأ في عملية تطهيره التي تأخذ عادةً ساعة. وبما أنها تأكل وجبتها الرئيسية الساعة السادسة مساءً كان عليها أن تخطط لشراء اللحم المشوي مبكراً.
تبدأ عملية التطهير بالتخلص من الطحينة والسلطة والخبز ، ثم وضع اللحم في الفرن لمدة نصف ساعة بعد التقاط نقاط البقدونس المتناثرة على اللحم بعناية وإتقان.
و لم تكن تحب الدكتورة هناء الزيارات وخاصة زيارات عائلتها. كانت ترى نظرة الطمع في عيني أخيها ، ونظرة القلق في عيني أختها ، وكانت تكره الطمع والقلق .
كان مطبخها كما تركته أمها منذ عشر سنوات ، وكان نظيفاً ، وكانت المأكولات الموجودة في البيت قليلة ومغذية. سلاطة .. مجهزة بعناية ، وشوربة مجمدة ، وأسماك مجمدة ، وقطعة صدر دجاج تأكلها يوم الخميس بعد الانتهاء من عملها.
أمسكت بكوبها الخاص ، وبدأت تعد القهوة في هدوء وهي تتذكر كلمات أختها الكبيرة: يا هناء..لا رجالة ولا أكل طيب عايشة ليه! دي متع الحياة يا هناء.
نظرت لمعصمها الرفيع في فخر ، هي جميلة وهذا يكفي. يجب أن تبقى جميلة ورقيقة وصغيرة ورفيعة و..ترى من سيتذكر عيد ميلادها الأربعين؟
ماذا تعرف عن خالد؟ تعرف أنه يسكن في بولاق. كان يقول هذا كثيراً وفي فخر ، وكان واثقاً بنفسه ، ولكن عينيه لا تقابل عيني امرأة أبداً. هل هو أيضا عذراء مثلها؟
ماذا تعرف عن خالد؟ تعرف أنه متدين لا يسهو عن صلاة ، وتعرف أنه كان الطالب المثالي ، وأن صديقه العزيز شاب ضرير ، وكان خالد يساعده في كل شيء. وكان خالد مثالاً للمصري الطيب الصبور ، وكان من الأوائل ، وعُيِّنَ في الجامعة ، وحصل على الماجستير في ترجمات القرآن ، وكان رجلاً وكان شاباً وكان ما تريد.
جلست في هدوء وهي تحتسي القهوة وتنظر إلى ساعة الحائط السوداء. مشكلة. خالد متدين. ماذا تتوقع منه؟
و هي؟ تؤمن بالله ، ولكنها تشعر بحنق غريب وإحباط لم تشعر به من قبل. ولا ترى جريمة في أن تفقد عذريتها ، فالعفة تاج الفتاه في العشرين ، وزينتها في الثلاثين ، وكربها في الأربعين! ويكفي عفة ، وماذا جنت من العفة؟ وهل تعرف رائحة رجل؟ لمسة رجل؟ ماذا تعرف عن الرجال؟ رامي لم يلمسها قط! ما بال الرجال في مصر؟ هل يخافون المرأة؟ ما المخيف في المرأة؟ ولماذا كل هذا التفكير؟ ولماذا كل هذه الشهامة! ولماذا لم تفقد عذريتها كل هذا الوقت؟! ولماذا لم تنس رامي مع أنه نسيها؟ ولماذا ضاع عمرها بين بعثة ومذاكرة وخوف وحب مستحيل؟
كانت غبية ، وانتهى عصر الغباء.
كانت كسولة ، وانتهى عصر الكسل.
وبعد أن تفقد عذريتها..ماذا تفعل؟
تحتفل وتحتفل. تلقي بهذا القيد في نهر النيل ، فالعوانس لا يتزوجن أبداً. العوانس عار على المجتمع. الرجل لا يتزوج عانساً في الأربعين ، بل أرملة أو مطلقة. عندما تفقد عذريتها ستقيم احتفالاً كبيراً وتدعو له دكتور سامي وعبد الحميد وأخاها وأختها والبواب ونجاة الشغالة وربما..
أمسكت ببطنها..ربما آن لهذا الرحم النائم أن يصحو ، وهذه البيضات التي ضاعت هباءً أن تُبعث. ربما آن للمرأة بداخلها أن تثور وتسيطر على الدكتورة المحترمة.
ربما آن لهذا المخدع أن يشتعل وينبض.
ربما..
خالد متدين. خالد لا تعرف عنه شيئاً.
خالد ربما يكون على علاقة ، وربما يجدها باهتة وعجوزاً ، وربما..
و هي قط لم تحاول إغواء رجل أي رجل. لماذا لا تكره الرجال اذن؟ لماذا لا تقرر أن الرجال آفة من آفات المجتمع. لو كرهت الرجال سترضى بالأمر الواقع كما فعلت أستاذتها من قبل. آه لو كرهت الرجال.
و هل تعرفهم أصلاً؟! ماذا تعرف عن الرجال؟
اليوم ستعرف كل شيء عن الرجال. كل شيء من مصدر موثوق به!
و لكن يجب ألا تنسى أن أمامها خمسمائة ورقة يجب أن تصححها وأن إغواء شاب كخالد لن يكون سهلاً.
كان عليها أن تفكر في كل الحيل التي قرأت عنها ، فحياتها فقيرة وخبرتها يرثى لها. وكيف ستغويه؟
لم تكن تريد أن تغويه ، كانت تريده أن يخترق هذا الحاجز الذي يقف عائقاً أمام أنوثتها ، ولم تكن تريد إغواءه قط.
و تذكرت رواية الطريق إلى الهند وكيف دخلت الفتاة الإنجليزية إلى الكهف مع الرجل الهندي ثم اتهمته بأنه اغتصبها ، ولم تكن متأكدة من الأحداث داخل الكهف. كانت تدرّس الرواية للسنة الرابعة ، وكان خالد أحد طلابها وقال في دهشة: لا أفهم هذه الرواية ، هل يقصد الكاتب فعلاً أن الفتاه الإنجليزية لا تتذكر حادثاً كهذا؟ هذا هراء. هذه حقائق لا تنسى.