رواية " الدكتورة هناء "، تأليف ريم بسيوني، والذي صدرر عن مكتبة مدبلولي عام 2008 ، نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب الدكتورة هناء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الدكتورة هناء
(2)
..... نظر البواب للدكتورة هناء وهي تحمل الامتحانات وتتجه إلى سيارتها البيجو القديمة في ازدراء ، وقال وهو يدير وجهه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!
توقفت والتفتت له في فزع ثم قالت: لماذا تقول هذا؟.
أدار عينيه عنها وهو يتمتم بكلمات لا تسمعها. كانت تعرف لماذا يقول هذا. ولم تكن تدري ماذا تفعل..تعنفه؟ تهدده؟ ترشيه؟ تشرح نفسها له؟ تدافع عن نفسها؟
ولكنها قالت لنفسها في قوة! إذا كان في هذا البلد عليها أن تشرح نفسها للبواب كل يوم لأنها امرأة فمن الأفضل أن تذهب إلى بلد آخر أكثر تحضراً. ولم يخطر في بالها قط أن تعطي البواب عشرة جنيهات وتشرح له أن خالداً طالب عندها. وعشرة جنيهات كفيلة بأن تفتح كل الأبواب المغلقة داخل عقله! وعشرة جنيهات كفيلة بجعله يفكر كحارس خاص لأميرة فرنسية! إذا كان هناك أميرة فرنسية!
وعشرة جنيهات كانت كفيلة بفتح قلبه وغسل نيته وشرح الموقف!
ولكنها لم تكن تنوي التضحية بعشرة جنيهات ، ولم تكن تنوي أن تبدأ الآن بإعطاء الرشاوي!
وشعرت بأنها حرة طليقة للمرة الأولى ، والحمل قد زال عن ظهرها ، والالم والخزي تلاشا من نفسها.
وسوف تسافر إلى المؤتمر ، وربما تقابل رامي في أمريكا ، وربما لا. وفي كل الحالات هي ليست عذراء.
صورة شقتها لم تترك مخيلتها ، وكانت تحب شقتها إلى أبعد الحدود.
ولم تتغير الشقة كثيراً منذ وفاة أمها. أبقت كل شيء كما هو وحافظت على كل الأثاث وكل ما هو غال وثمين ، ولم يكن عندها طفل ينهك قوى الشقة ، ولا زائر يجلس على كنبة الصالون فيغير لونها مع الزمن. كان الصالون المدهب طراز الستينيات الذي اشترته أمها وقت زواجها كما هو ودائما تغطية بغطاء أبيض بسيط ونظيف. وكان الفيديو الذي اشترته منذ عشرة أعوام نظيفاًُ أيضاً ومغطى بمفرش كروشيه اشترته من ألمانيا في أحد المؤتمرات منذ أعوام. وحتى ريموت الفيديو كان في أحسن حال وكيسته السيلوفان لم تزل تغطيه ، وهكذا الحال مع التليفزيون الذي تغطيه بمفرش معيّن قبل النوم كل يوم. فتلوث القاهرة لا يُعلَى عليه ، وهي تحب أشياءها جدًّا ، هي كل ما تملك.
البهو الكبير في شقتها به القليل من الأثاث ، ولكن على يسار البهو غرفة الطعام. وهي أجمل ما في البيت ، هي كل فخرها ، الطاولة القديمة من الخشب الأرو البني والبوفيه العالي العظيم برفوفه الزجاجية!
هذا البوفيه هو صاحب كل مقتنياتها وعمرها ، وكانت تعشق التحف مثل والدها ، وتشتري الكثير منها. إذا كان هناك شيء تستطيع أن تبذّر فيه فهو شراء الفازات والتماثيل الصغيرة وأطقم الشوك الفضية القديمة ، وكل ثروتها كانت في هذا البوفيه الهائل ، وكانت المقتنيات تطل من البوفيه في حذر وفخر وشوق وانتظار لمن يلقي عليها نظرة او نظرتين.
وما كان يزعجها في بيتها أحياناً هو الممر الضيق الطويل طول العمر ، والمظلم معظم الوقت لأنها تقتصد في الكهرباء. وكان في نهاية الممر حجرة أمها وأبيها التي هي حجرتها هي الآن. وبجانب الحجرة حجرتان لا تفتحهما أبداً. واحدة كانت لأخيها ، والثانية لها هي وأختها ، ثم الحمام القديم الممتليء بمعطر الجو وكل أنواع الزيوت الصحية كاللافندر والكاموميل لتهدئة الأعصاب عندما تستحم.
هذا هو بيت الدكتورة هناء الذي اضطرت إلى أن تدفع لأخيها وأختها حقهما في ميراثه حتى تستأثر به وتعيش الذكريات ، وتتذكر أمها وأباها ، وتسمع أصواتهما مع صوت الموسيقى في صباح كل يوم. وكانت تحب حياتها هكذا. فقط احيانا كانت هناك ليال طويلة وسحاب كثيف يغمر جسدها البارد فيفيقه ولا يشبعه..يخنق عنقها في الليل المظلم ولا يقتلها ابداً. وكانت تخاف هذه الليال ويا ويل من يقابلها في الصباح ، تنفجر فيه بكل طاقتها وبقدر طاقتها ولا تفقد طاقتها.
الأن شعرت برغبة في أن تمر ببولاق!
شعرت برغبة في أن ترى بولاق قبل السفر ، للعلم فقط وليس أكثر. وكانت تمر على حي بولاق من حين إلى حين ، ولكنها لم تنظر قط إلى الحي على أنه مهم في حياتها.
لم يلفت نظرها في الحي سوى الكمية الرهيبة من البشر التي تنهال على محلات الفول والفلافل صباحاً والتصاق البشر بعضهم ببعض. كل هؤلاء..هذا الكم الضخم من البشر الذي يتصرف برتابة ونظام! وفي صمت مزعج. وصياح مكبوت.
وما لفت انتباهها هو صوت الموسيقى الصاخبة الذي يخرج من كل المحلات ولكل محل أغنيه مختلفة ، وكانت الأغاني ممتزجة داخل بولاق كل الامتزاج. مدفوسة في بعضها كالبشر بالضبط!
أراحت رأسها على مقعد الطائرة وهواء التكييف المزعج يتجة مباشرة إلى عينها اليمنى! أغمضت عينيها وبدأت تسترجع صوراً من ماضيها..منذ عشرين عاماً!
صوراً لفتاه تحب زميلاً لها في صمت. وكان رامي هادئاً متردداً وخجولاً. أعجبها ضعفه وتردده!
تم تعينهما معاً في القسم. اقتربت منه أكثر. كانا يتكلمان لساعات عن شكسبير وديكنز. وكان عاقلاً ، وكان ناضجاً وكان يفكر في الكون ويتأمل العالم.
مَّر عام وهو زميلها وهي تحبه في صمت ، كان يتمنى أن يهاجر إلى أمريكا. كان يتمنى أن يذهب في بعثة. وجاءت البعثة لها هي.
و أرادت أن تعرف مشاعره تجاهها. دائماً يتكلم عن أمه واحترامه لها ، وماذا تريد أمه ، وماذا تتوقع وأبداً لا يتكلم عنها أو عنه.
جلست أمامه في المكتب.