كتاب "الثورة الفرنسية وروح الثورات"، يقول المؤلف في مقدمة كتابه: لم أضع هذا الكتاب لأمدح الثورة الفرنسية أو لأذمَّها، بل لأفسرها بما ذكرته من السنن النفسية في كتاب «الآراء والمعتقدات».
أنت هنا
قراءة كتاب الثورة الفرنسية وروح الثورات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمة المترجم (1)
أقُدِّم الطبعة الثالثة لترجمة كتاب «الثورة الفرنسية وروح الثورات» وذلك على وجهٍ يكاد يكون جديدًا في العبارة والمظهر...
لقد نفِدَت نسخ الطبعة الثانية منذ زمنٍ غير قصير، وما وجدناه من إلحاف ذوي الفضل لإعادة الطبع جعَلنا نقدم على تقديمه في هذه المرة؛ لِما رأينا من تقدير القارئ العربيِّ لفلسفة الثورات، ولا سيما الثورة الفرنسية، ولِما نعلم من أنه لم يَظهر في الموضوع مؤلَّفٌ يقوم مقام هذا الكتاب، وقد اعتقد واضعهُ الفيلسوف العلَّامة الدكتور غوستاڤ لوبون أنه يَصعُب بعد إخراجه أن يُكتب تاريخ للثورة الفرنسية وروح الثورات من غير أن يُنظر إلى ما اشتمل عليه من آراء ومبادئ وتحليلات لم يسبقه إليها أحدٌ كما يظهر.
ومن رأي لوبون أن الثمرة التي اقتطفت بعد القيام بكثيرٍ من التخريب في أثناء الثورة الفرنسية لا بدَّ من نيلها في نهاية الأمر مع سَير الحضارة بلا كبيرِ عناء، أي إن لوبون يقول بمبدأ التطور التدريجي للفوز بما قد لا يؤدي إليه العنف، وإن ما تنتهي إليه الثورات من النتائج يكون قد نضج نضجًا غير شعوريّ في الماضي فتكون الثوراتُ طورًا أخيرًا لهذا النُّضج يمكن حدوثهُ بلا عنف وجَوْر.
ولهذا فإن لوبون يطلق اسمَ الثورات على الانقلابات السياسية والدينية والعلمية، كما يحدِّد شأن الحكومات والأمة في الثورات، وهو لا يغفُل عن تقديم بيان كاشف عما يسود الثورات من خُلُقٍ وحقدٍ وخوف وحرصٍ وحسد وزهوٍ وحماسة، كما يبحث في روح الجماعات والمجالس الثورية.
فأرى، والحالة هذه، أن المؤرخ إذا ما سَلك مثل هذا السبيل أظهر مؤلفَه صورة ناطقة عن الماضي مع الإمتاع العلميِّ والفوائد الفلسفية والنفسية التي لا تحصى.
نابلس
مقدمة المترجم (2)
إن علم الاجتماع من العلوم التي عُنِيَ العلماء في الوقت الحاضر باستجلاء قواعدها، ومن أكابر هؤلاء العلماء مؤلفُ «حضارة العرب»: الدكتور غوستاڤ لوبون.
ألَّف هذا العلامة، بعد سياحات كثيرة قام بها في أقطار الأرض، كُتبًا ذات قيمة في مدنيات بعض الأمم، ثم وَضع ثَلاثة كتب بَسطَ فيها ما استنبطه في تلك الأثناء من العبر وما ظهر له من سُنن الاجتماع وهي: «السُّنن النفسية لتطور الأمم» و«روح الجماعات» و«الآراء والمعتقدات» ثم عرَض ما جاء في هذه الكتب من الآراء الكلية على مسائل أخرى، فأخرج للناس، «روح الاشتراكية» و«روح الثورات والثورة الفرنسية» وقد نقلتُ هذين المؤلفين إلى العربية، فقدَّمت طبع الثاني لصغر حجمه، وسأطبع الأول بعده إن شاء الله تعالى.
نقل المرحوم فتحي باشا زغلول كتاب «السنن النفسية لتطور الأمم» بعنوان «سر تطور الأمم» وكتاب «روح الجماعات» إلى العربية، فأرجو أن أعرض على القراء، عما قليل، ترجمة كتاب «الآراء والمعتقدات» فتكون قد اجتمعت عندهم كتب غوستاڤ لوبون الثلاثة الأساسية وكتابان من كتبه التحليلية.
ولا أرى أن أشير إلى ما في مؤلفات الكاتب المشار إليه، ولا سيما «روح الثورات والثورة الفرنسية»، من الفوائد العلمية والحقائق التاريخية، فالأمر أصبح مشهورًا لا يحتاج إلى بيان، وإنما أنقل العبارات الآتية على سبيل الذِّكر:
قال العضو في المجمع العلميِّ الفرنسيِّ، إميل فاغه، وهو من أشهر كتاب فرنسة:
قد أثرت أفكار غوستاڤ لوبون السياسية الصائبة في نفسي تأثيرًا جعلني في الوقت الحاضر أعتمد عليها، فالفصلُ الذي بحث فيه عن أوهام رجال الثورة الفرنسية حسنٌ من كلِّ الوجوه، وهذه الأوهام هي اعتقادُ صلاح الإنسان، وأن من الممكن فصل الأمم عن ماضيها، وتحويل المجتمع بوضع القوانين، ولا يخفى ما أدت إليه هذه الأغاليط الكبيرة من النتائج.
أشارك غوستاڤ لوبون في ما ذكره عن علل نجاح ناپليون بوناپارت، فالنصر وحده، وهو الذي دلَّ على ناپليون، لم يجعله سنة 1795 معبود فرنسة، وإنما الذي سَهَّلَ نجاحه هو نفور الناس من الظلم والاضطهاد والأزمة المالية والطمع في الأملاك العامة.
أُعجَبُ بغوستاڤ لوبون كخصم للقدَر التاريخيِّ الذي شبَّ على اعتقاده أبناء جيلي، فهذا القدَرُ من الأمور المختلة.
وجاء في مجلة العالمين:
إن ما أتى به غوستاڤ لوبون من البحث الدقيق في مؤلفاته في الفلسفة وعلم الحياة والتاريخ مكَّنه من إيضاح بعض الأمور العظيمة التي ظلت غامضة حتى الآن، وقد استطاع أن يوضحَ قواعد الحركات الثورية في كتاب مبتكر جديد بحث فيه عن روح الثورات والثورة الفرنسية.
أوضح في هذا الكتاب وجه الشَّبه بين السنن النفسية للحوادث الكبيرة التي حوَّلت مصير الأمم كثورة الإصلاح الديني والثورة الفرنسية، كما أنه أوضح فيه شأن الشعوب الضعيفَ في الحركات الثورية ومناقضة عزائم أعضاء المجالس وهم منفردون لعزائمهم وهم مجتمعون والتأثيرَ الكبيرَ للعاطفة والدين في سيْر أبطال الثورة الفرنسية.
باريس في 6 من يناير سنة 1934