كتاب " ذاكرة الفينيق " ، تأليف فرح محمد دياب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ذاكرة الفينيق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ذاكرة الفينيق
ذاكرة الفينيق
ذاكرة الفينيق: رؤىً وتطلّعات إنسانية، غنيّة بإبداعيّة الخلق/الحدث، وتركيبة/الزّمن، وصاخبة في ازدحامِ أحداثها وأفكارها التي تتجلّى في المفاهيم والمعاني، وفي مصاديقِ الحب، الموت، الفقر، اليُتم، الشّقاء، الغربة، الانبعاث، الوطن، الاستشهاد، القيم والعادات، الدّين، الخيانة، الوحشيّة، وانتماء مصاديقها إلى مفاهيم الفلسفة التي تُعيد صياغة العالم كما تُريد ذاكرةُ رحيل. ورؤيةُ مفهوم فرح لِمَا تضج بهِ هذه الذّاكرة من مسائِل وصور فلسفيّة وجوديّة تُحاكي ذاتها وتتماهى في «الموتِ، والعدمِ، والقلقِ، والعبثيّة، واللامسافة واللاشيء والدّوار والغثيان والانقباض والخوف» وما عاشتهُ ذاكرةُ الفينيق المنبعثة من رمادِ الحياةِ/الموت «كائناً صائراً إلى الزّوال» كما في مفهوم سارتر وهايدغر وكيركجارد الذين نعتوا الوجود بالعبث/عبثيّة وجود وحياة رحيل التي بلغت حالات ذاكرتها «الأحوال القصوى» لِتَعْبُرَ إلى تسمية «كارل ياسبرز» للصدفةِ والألمِ والقلقِ والمرضِ والموتِ بهذا المفهوم.ولأنّ للأحداثِ أزمنةً يميّزها «برغسون» ويفصِل بينَ نوعينِ للزمنِ هما: الزَّمنُ الموضوعي أي المتحيّزُ في المكان وهو قابل للقسمةِ. والزّمن الذّاتي أو النّفسي وهو زمن متدفّق سيَّال شعوريٌّ لا يقبَل القسمة هو «الديمومة» التي تعني أنّ الزَّمن هو تواصُلٌ متناغِمٌ يغتني فيه حاضر الإنسان من ماضيهِ ومستقبلهُ من حاضرِهِ... كان لذاكرةِ الفينيق زمن دافق بالمشاعِرِ الإنسانيّةِ الجيّاشة التي أبَتْ حدود الزَّمانِ والمكان سواء في ساعتها الجداريّة أو في تواريخ وقائعها الاجتماعيّة، والسياسيّة والوطنيّة، وقيامة الأمل/العشق، وصولاً حتّى الانبعاث والانتقال من الرحيل/للفرحِ ما جَعَلَ الزَّمان في ذاكرة الفينيق إنساناً هو كائن الأبعاد الثّلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل كما في مفهوم هايدغر. ولأنَّ: «رحيل تتمنى موتَ عقارب السّاعة» فهي قد قرّرت التحرّر من الزّمن الموضوعي والذّهاب باتجاه الزمن الذّاتي/الديمومة. وإلى ذلك يشيرماتوريه قائِلاً: «إنّ قياس الزّمن ضرورة حيوية تفرِض علينا تحديد الزّمان أرقاماً على ميناء السّاعة».
ولأنَّ لذاكرة الفينيق انبعاثها وعودَها الأبديّ للعيشِ خارج الزّمن، حيثُ أدركت رحيل أنّ الانبعاثَ مستحيل وأنّ الموتَ هو الحقيقة الوحيدة تماهت مع الفكرة الدينية القاضية بنومِ الناسِ وغفلتهم عن إدراكِ الحقيقة، ففي المأثور الديني: «النّاس نيامٌ فإذا ماتوا انتبهوا» كما تماهت مع ملحمة جلجامش، الذي أدرَكَ أخيراً، أنّ قَدَرَ الإنسان هو الموتُ أما الخلودُ فيكونُ للآلهة فقط.
ورغم ربيعيّة عمر رحيل، وعدم محدوديّة زمنِها، وآعتقادها بالعَودِ الأبديّ فإنّ ذاكرة الفينيق كانت ثورةً على الأعراف والتقاليد الاجتماعيّة والدينيّة، وثورةً على الطّقوسِ الفارغة والممارساتِ الزّائفة، ولم تَسْلَمْ الطائفيّة والمذهبيّة الجوفاء، ولا العقول الغبيّة والأقلامُ الفارغةُ من هذه الثّورةِ الإنسانيّة التي صَدَمت المجتمع وأرادت تحطيمَ معتقداتهِ لتعيدَ صياغتُه وبناءه على منظومةِ قيمِها وعَدالتِها، ودفن العمالة والخيانة والفقر والظُّلم والطبقيّة والوحشيّة تحت أنقاضِ هذه العاداتِ والتقاليد والأعراف البالية.
وتتجلّى في ذاكرة الفينيق/المزدحمة بالأحداثِ والأزمنةِ المتدافعة، نظرة «الفينيق»/رحيل إلى الوجودِ نظرة ماديّة في ما يتعلّق بمفهوم الرّوح فقد تحدّثت رحيل عن (تبعثُرِ أشلاء الرّوح) و(الروح قِطَعُ أرواحٍ لبقايا الموتى) وأنَّ الأرواح فانية باستثناء (أرواح الفلاسفة وأرواح المجانين) وأنّ النفوس المتعَبة والمنهكة أي المُثْقَلة بالإثم/العادات الموروثة، لا تستطيع الصّعود إلى السّماء، وهنا تماهي ذاكرة الفينيق مع الفارابيّين (ابن سينا والفارابي) اللذين اعتقدا بأنّ النفوس العالمة مصيرها الخلود في النعيم، أمّا النفوس الجاهلة فمصيرها الفناء، كنفوس البهائِم على عكسِ ما أرادتْهُ رحيل من خلودِ أرواح المجانين.
ومن ذاكرة عمر الفينيق الربيعيّة الموغِلة في التاريخ والدين والسياسة والمصطلحات الفلسفيّة والأَحداث الاجتماعيّة والوطنيّة، ورغم التجربة الحياتيّة القصيرة تفوّهت بحكمةِ الحياةِ «أحلى لحظات الانتظار هي تلك التي تصدأُ فيها الملاعق الذهبيّة في أفواهِ الأغنياء».