كتاب " ذاكرة الفينيق " ، تأليف فرح محمد دياب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ذاكرة الفينيق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ذاكرة الفينيق
وفي «عَيْبِ» هذه الذاكرة على الإنسانِ تعلُّقَهُ بالحياةِ الزّائلة وخضوعه للزّمن في وقتٍ يسخرُ الزّمن مِنْهُ تلتقي وحكمة الحسن البصري: «أيُها الإنسان إنّما أنتَ عددٌ فإذا مضى لكَ يومٌ فقد مضى بعضُكَ». وأمّا في معجمِ ذاكرةِ الفينيق الاسترجاعيّة والإنسانيّة فذاكرةٌ إنطوائيّة تحكمها سوداويّة مفرِطة ومفردات «قاتمة»: (انكسار - عزلة - انطواء - حيرة - صمت - وحدة - غربة - صراع داخلي - ظلمة - خوف - الضّباب الأسود - سواد الأرواح - عاصفة النّار...» وفي ذلك تعبير عن حالةِ الاشتباك النّفسي مع الحياةِ وما أنزلَتْهُ على رأسِ رحيل من شقاء.
وفي معجم هذه الذاكرة الإنسانيّة حقولٌ دلاليّة من القيمِ الوطنيّة والقوميّة/العروبيّة والالتزام بالإخلاص للوطنِ/الإنسان، والإيمانِ بالاستشهادِ سبيلاً لدرءِ الخطرِ عنْه ورفضاً لكُلِّ أشكال العمالة، واعتداءات عدوّ الله والإنسان إسرائيل على لبنان وفلسطين التي من خلالها عزّت ذاكرة الفينيق تخاذل وخيانة وعمالة الأنظمة العربيّة التي باتت «تأمل الإجهازِ على فلسطين وعروبتها» ولهذا كان في ذاكرة الفينيق: «الحنين إلى الوطن - حبّ الوطن - الوطن حضن دافئ - الغربة قاتلة/عن الوطن وأهلِهِ وأحبتِهِ، ففقدُ الأحبّة غربة» فكيف إذا كان الفقر يطال الأب والوطن؟
ولأنّ الأرواح تتوقُ إلى العودة إلى عَالَمِها، فقد حاولت «ذاكرة الفينيق» التحرر من قيود الزّمان والمكان، وأشارت إلى «حنين الأرواح» للانعتاقِ من الجسد والمادّة وكأنّ في هذا الحنين، وهذا التوق إلى الإياب عودة إلى مفهوم أفلاطون لذلك الذي تحدث عن حنين النّفس إلى عالمها الأول، أي عالمِ النفس، (لأنّ النّفس سجينةٌ في الجسد).
وأين الخلاص
أين القيامة الحقّ، وتحقيق الذّات؟ أليس في الحبِّ القوّة القاهِرة التي تعيدُ ترتيب العالم، وتنسيق ما فيه، بروحٍ إنسانيّة مثاليّة؟ لهذا اعتمدت «ذاكرة الفينيق» في نهاية مَسَارها على «الحبّ» باعتباره الوحيد القادر على تغيير المشهد/الدرامي المأسوي المخيف المُرعِب من أمنية رحيل العيد إلى أمنية عودة العيد، وهكذا تحررت رحيل من زمنها القاسي وتحوّلت إلى فرح... إلى الحيويّة والسّعادة التي يقول فيها نيتشه:
«في كلِّ أشكال السّعادة كبيرها وصغيرها، لا تكون السّعادة سعادةً إلّا في إمكانية النسيان أي عندما يشعر الإنسان بلحظاتِ سكونٍ في سيلِ الزّمان، فإنّ الإنسانَ الذي لا يستطيعُ أنْ يقِفَ على عتبةِ اللحظة وينسى جميع الأحداث الماضية لن يعرِف قطُّ طَعْمَ السَّعادة، ولن يستطيع أيضاً أن يوفّرها للآخرين».
هكذا نسيت رحيل ثوبَ الحزنِ وارتدت فرح رداء السَّعادة.
فريز المذبوح
9/3/2013

