أنت هنا

قراءة كتاب فك شفرة الكون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فك شفرة الكون

فك شفرة الكون

كتاب " فك شفرة الكون " ، تأليف تشارلز سايف ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة

تقييمك:
3
Average: 3 (2 votes)
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 2

ووفقًا لما يراه المؤلّف فإنّ مجمل حضارتنا الإنسانية في سبيلها إلى الاختفاء والزوال حسب ما تطرحه آخر نظريات العلم المعقّدة، كما بشّرت بذلك الأديان والفلسفات القديمة التي ادّعت فناء البَشر في العالم المادي المُعاش. ولكنّ الفرق يكمُن في أنّ العلم عندما يطرح هذه المقوله فإنه يطرحها بلا وعظ وإرشاد، بل يطرحها كحقيقة مجرّدة من أيّ وازع أو نوازع سوى البنية الداخلية التي تحملها المعادلات والقوانين العلمية الخالية من علاقات سببية بين وجودنا وغاية هذا الوجود وبين إدراكنا لهذا الوجود. ومن ثَم يبقى التساؤل عن معنى وجودنا وغايته، سؤالًا بلا معنى بل امتدادًا لنرجسيّتنا التي تدفعنا لمقاومة الاعتراف بحقيقة أنّنا نعيش على كوكب منزوٍ في ركنٍ تافهٍ من هذا الكون الفسيح، بما يفوق التفسيرات التي تقدّمها الفلسفات والأديان القديمة حول سبب وجودنا وغايته. قد لا يزيد وعينا بالكون عن وعي نملة بالتنوّع الهائل الموجود على كوكب الأرض، وبالقوانين التي تتحكّم في حركة بحاره ومحيطاته وصحاريه وجباله وملايين الكائنات الحيّة التي تعيش عليه، وقد يكون وعينا قاصرًا قصور النملة عن فَهم قوانين ميكانيكا الكمّ أو إدراك تجارب ارتياد الفضاء أو تفسير نشوء الكون والمجرّات والكواكب والنجوم بل ووجود الأكون المتوازية.

يستند المؤلّف في تفسيره لكلّ هذه الظواهر على المعلومات، باعتبارها تجريد العقل البشري للظواهر الطبيعية، ويرى إمكانية إرجاع كلّ شيء واختزاله إلى مجرّد معلومات معتمدًا في ذلك على التطوّر المهول الذي حقّقته علوم الكمبيوتر وتطبيقات ميكانيكا الكمّ. حيث يمكن اختزال كلّ الأحداث اليوميّة والكونيّة إلى مجرّد دفقات معلوماتية يمكن قياسها وحساب قيمتها ومقدارها. وتأتي مصطلحات مثل «الانتروبيا» و«التشبيك الكمِّي» و«تطابق التراكب» و«الثقُوب السوداء» لتزيد من غموض محاولات تفسير الكون. وهنا يحدث تماسّ مدهش بين ما ادّعته الفلسلفات والأديان القديمة وبين العلم فيما يمكن أن نسمِّيه «ميتافيزيقا العلم». حيث لا يمنع العلم وجود عوالم أخرى موازية تشبه تمامًا وتوازي عالمنا المُعاش كما لايمنع إمكانية تجميع المعلومات التي فُقدت بالتحلّل ومن ثَم إعادة إنتاجها. ويطرح العلم رؤية جديدة لمفهوم الخلود حيث يمكن خلق أو إظهار شيء من العدم ثم اختفاؤه، ومع أنّ الكتاب يسعى للتأكيد على تماسُك النظريّات العلمية، إلا أنّه في المقابل يطرح تصوّرًا يتجاوز أيّ مطلق بما في ذلك سرعة الضوء وقانون حفظ الطاقة وبقائها.

تقف المجتمعات البشرية الآن عند مفرق طُرقٍ: العلم أو الأسطورة، وبعد أن تسيّدت الأسطورة وعيَنا لآلاف السنين وتحوّلت من وسيلة لتفسير العالم إلى السيطرة عليه، جاء العلم ليقدِّم لنا رؤية أكثر إنسانية، عبر تقديمه لحلول ملموسة للمعضِلات التي تواجهنا وتلبية الاحتياجات التي نطلبها، إذ يتجلّى العلم في كلّ مظاهر حياتنا التكنولوجية، ويمكننا اعتبار العلم اليوم «سفينة نوح» التي ستنقذنا من الغرق في بؤس هذا العالم عبر خلاصنا من روح الجهل والتخلّف التي لن يعصمنا منها إخلاص النوايا وطيب المقاصد، ويمكننا بالعلم، وحده، أن نحطّ لأول مرّة على شاطئ إنسانيتنا بلا كُرهٍ أو أنانية أو ضغينة، وعلى ضوء العلم يمكننا تهذيب الأخلاق ووضع سُلّمٍ جديد للقيم التي سترشدنا إلى آدميتنا بعد اغترابنا طويلًا في الخرافة والأساطير.

لقد أتاحت لي ظروف العمل بمدينة سواكن بشرق السودان فرصةً لإنجاز هذه الترجمة، وقد شرعت في ترجمة هذا الكتاب، على أمل استكمال جهود روّادٍ عظام وضعوا نصب أعينهم الارتقاء بشعوب هذه الأمّة التي لامست حدود المجد عندما ترجمت العلوم وانفتحت على فلسلفات العالم، وهي الجهود التي مالبثت أن تعثّرت كما تعثّرت الجهود الرامية إلى خلق المجتمع الحديث، لأسباب ليس هنا مجال الاستفاضة في دوافعها. ولا يجانبنى الصوابُ إذا زعمت أن الكلام الدائر الآن عن مشاريع للنهضة هنا وهناك، لا يعدو كونه لغوًا فارغًا من أي مضمونٍ عملي إذا لم يتم اعتماد التفكير العلمي باعتباره المصدر الأساسي لحلّ مشاكلّ التنمية التي تتوق إليها شعوبنا. وبدون الارتقاء بمستوى التعليم ودعم البحث العلمي وإعادة الاعتبار للتفكير العلمي ورعاية مشروع قومي للترجمة يستهدف الوصول إلى طلاب المدارس والجامعات، فلن يكون هناك أمل في استقلال إرادة أوطاننا ولا تحقيق أهداف الانتفاضات الشعبية التي طالبت بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

وأتمنّى أن يكون هذا الكتاب بداية لسلسلة من الترجمات العلمية التي تُعنى باطّلاع القارئ العربي على آخر منجزات العلوم التطبيقية كالفيزياء والكيمياء وعلوم الكون والحياة. على أمل المساهمة في إشعال مصباح داخل هذا النفق المظلم الذي ما زلنا نتخبّط فيه منذ قرون وقرون.

أيمن أحمد عيّاد

نوفمبر 2012

الصفحات