كتاب " فك شفرة الكون " ، تأليف تشارلز سايف ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة
أنت هنا
قراءة كتاب فك شفرة الكون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الثانى
العفاريت
ها أنت عفريت مُعادٍ، هذا ما أدركه جيِّدًا، والخوف من أعمالك يحوّل الخير دائمًا إلى شر.
ـ فاوست، جون وولفجانج فون جوته
بعد ظهيرة الخامس من سبتمبر عام 1905، قام لودفيج بولتزمان Ludwig Boltzmann بلفّ طرف حبل صغير حول إطار النافذة وعمل أنشوطة متدلية من الطرف الآخر، وبينما كانت زوجته وابنته يجدفان بسعادة في خليج منتجع قرية ديونو Duino فيما كان يُعرف أيامها بالنّمسا ـ المجر Austria-Hungary، شنق بولتزمان نفسه، لتجد ابنته الجثّة بعد ذلك.
وقد نحتت على قبر بولتزمان تلك العبارة بالغة البساطة: S = K log W. وهي العبارة التي ستقوم بتثوير مجالين فيزيائيّين كان يُعتقد بعدم وجود علاقة بينهما. كان الأول، الديناميكا الحرارية، التي تتعامل مع القوانين التي تحكم الحرارة والطاقة والشغل ـ وهو مصدر أقوى قانون في الفيزياء. كان الثاني، نظرية المعلومات، ولم يتسنَّ لبولتزمان العيش حتّى يراها تبعث إلى الحياة.
للوهلة الأولى، لا يبدو أن هناك شيئًا مشتركًا بين الديناميكا الحرارية ونظرية المعلومات، فالأولى تتعامل مع أكثر الأفكار الملموسة التي كان يقدرها مهندسو القرن التاسع عشر، الحرارة والطاقة والشغل. وهي الأشياء التي جعلت المصانع تدور والآلات البخارية تزمجر ومسابك المعادن تتوهّج. من الناحية الأخرى، بدا أنّ المعلومات تجريدية وسريعة التلاشي، فلا يمكننا إضافة المعلومات إلى المسبك لصهر الحديد، كما لا يمكننا تزويد النول بها لغزل الصوف. ومع ذلك فإن نظرية المعلومات تنبثق من الديناميكا الحرارية. وكلاهما من فروع المعرفة الحافلة بالعفاريت.
في أواخر القرن الثامن عشر كانت أوربا قارة مليئة بالعفاريت، ولم تكن فرنسا استثناء. فقد قامت الثورة الفرنسية بعزل الملك لويس السادس عشر Louis XVI في عام 1789 وقطعت رأسه في النهاية، وفي فوران استبداد السنوات التي تلت ذلك، أرسل عددٌ كبيرٌ من الناس إلى القبر مع ملكهم، منهم العالم الفرنسي العظيم أنطوان لورانت لافوازييه Antoine Luarent Lavoisier. كان لافوازييه مسئولًا بشكل جزئي عن ولادة أحد فروع العلم، والمعروف حاليًا بالكيمياء. فقد أظهرت تجاربه أنّ التفاعلات الكيميائية لا تفني المادّة ولا تستحدثها ـ فعندما تحرق شيئًا على سبيل المثال، فإن كتلة الموادّ الناتجة تساوى دائمًا كتلة الموادّ المتفاعلة ـ وهو المبدأ المعروف حاليًا بمبدأ بقاء المادّة. وقد أثبت بالبرهان أن عملية الاحتراق كانت تتم بسبب وجود مادّة في الهواء هي الأكسجين. وفي كتابه «بحث أولي في الكيمياء» الذي نشر في سنة اندلاع الثورة الفرنسية قام بوضع أسس الكيمياء، هذا المجال العلمي الجديد، وفي جزء منه قام بوضع قائمة بالعناصر والموادّ الأساسية التي لا يمكن تقسيمها. كان الأكسجين ضمن هذه العناصر بالإضافة إلى الهيدروجين والنيتروجين والزئبق وعدد من العناصر الأخرى التي اتخذ وجودها طبيعة ثانية بالنسبة لعلماء الكيمياء. ولا وجود حاليًا لدى العلماء الحاليّين لأحد «عناصر» لافوازييه الذي كان شائعًا في أيامه: السُعر الحراري.
كان لافوزييه ومعظم علماء عصره مقتنعون بأن السُعر الحراري، عبارة عن سائل غير مرئي ينساب من جسم إلى آخر، وهو مسئول عن درجة سخونة الأشياء وبرودتها. وقد افترض لافوزييه أن «قطرات السُعر الحراري» تتدفّق من قضيب الحديد الساخن، بينما لا تحتوي قطعة الرخام إلا قليلًا منها، فإذا وضعت الحديد على الرخام، فإن السائل «السُعر الحراري»، سينساب نظريًّا من الحديد إلى الرخام، لكي يبرد الأول ويسخن الثاني.
كانت هذه الفكرة خاطئة، مع أنّ لافوازييه لم يعش شخصيًّا ليرى سقوط نظرية «السُعر الحراري». وقد كان أرستقراطيًّا، لذا فقد نظر إليه حكام عصر الإرهاب بريبة، وبحثوا عن طريقة للتخلّص منه. فتم توقيفه في عام 1794، وإدانته بتهمة الغش، لقيامه بتخفيف التبغ للجمهور. وفي 8 مايو قطعت رقبته على المقصلة وانقطع مسار حياته الواعدة.
تزوّجت ماري آن أرملة لافوازييه الجميلة مرّة أخرى ـ وسيبرهن الزوج الجديد في النهاية أن سُعر لافوازييه الحراري كان محض خيال. ولد بنجامين طومسون Benjamin Thompson في ماساتشوستس Massachusetts عام 1753، لكنّه فرّ من البلاد، بعد أن عمل جاسوسًا لحساب البريطانيين، فكان يكتب التقارير عن أحوال الثوريين من سكّان المستعمرات، وراح طومسون يجوب أنحاء أوربّا، وتزوّج ماري آن لافوزييه ثم طلّقها بعد ذلك، وانتهى به المطاف للعمل كمهندس حربي في بافاريا Bavaria.