كتاب " فك شفرة الكون " ، تأليف تشارلز سايف ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة
أنت هنا
قراءة كتاب فك شفرة الكون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
والإسهاب في جملة أو رسالة ما، هو المفاتيح الإضافية التي تسمح للمعنى بأن يكون مفهومًا حتّى لو كانت الرسالة مشوّشة بدرجة ما. وفي النهاية فان كلّ جملة في أيّ لغة من اللّغات تكون مليئة بالإسهاب. فالجملة في اللغة الإنجليزية ـ أو أيّ لغة أخرى ـ تحتوى دائمًا على معلومات أكثر ممّا هو مطلوب لفهم ما تتضمّنه هذه الجملة، ومن السهل رؤية هذا الإسهاب. J-st tr- t- r--d th-s s-nt-nc-، تبدو الجملة السابقة مشوّشة بشكل كبير، فقد أُزيلت كلّ الحروف المتحرّكة من الرسالة(**). ومع ذلك، يبقى من السهل تفكيك هذا التشوّش واستخلاص معناه، فمعنى الرسالة يمكن أن يبقى بدون تغيير على الرغم من حذف بعض الأجزاء منها. وهذا هو جوهر الإسهاب.
بالنسبة للبشر فان الإسهاب يعدّ شيئًا جيّدًا، فهو يجعل فهم الرسالة أسهل، حتّى لو كانت مشوّهة جزئيًّا بفعل البيئة. وبفضله سيكون بإمكانك فهم صديق عندما يتكلّم معك في مطعم مزدحم أو يتحدّث إليك من هاتف خلوي مشوّش. فالإسهاب آلية آمنة تضمن وصول المعلومات حتّى لو أصابها عطب بسيط أثناء عملية نقلها. وكلّ اللغات لديها هذا البناء الداخلي من شبكات الأمان المكوّنة من الأساليب والتراكيب ومجموعة القواعد التي تجعلها مسهبة. أنت لا تدرك تلك القواعد في العادة، لكن عقلك يستخدمها بشكل لا واعي حين تقرأ أو تتكلّم أو تستمع أو تكتب ـ وفي كلّ مرّة تستقبل فيها رسالة لغوية من شخص ما. حتّى لو لم تكن تلك القواعد واضحة، فهي موجودة مع ذلك، ويمكنك أن تشعر بانسيابها إذا تلاعبت قليلًا باللغة.
خذ على سبيل المثال كلمة ليس لها معنى مثل fingry. لهذه الكلمة وقْع يوحي بأنها كلمة إنجليزية. في الحقيقة فإن منطوق الكلمة يوحي بأنها صفة «جي، إن رئيسك يبدو وكأنه fingry اليوم». لكن ماذا لو اختلقت كلمة أخرى بلا معنى: trzeci. بخلاف كلمة fingry فإن كلمة trzeci لا تبدو منطوقًا صحيحًا لكلمة إنجليزية إطلاقًا(***)، وهذا بسبب تلك القواعد المفهومة ضمنيًّا ـ وهي في هذه الحالة قواعد اللغة الإنجليزية. فحرف الـ z يندر استخدامه إلى حدٍّ ما في اللّغة الإنجليزية ولا يأتي إطلاقًا بعد الحرفين tr. والأكثر من ذلك، فإنه ليس من الشائع تقريبًا إنهاء الكلمة في اللغة الإنجليزية بالحرف i، لذا فإن كلمة trzeci لا تعطي الإحساس بأنّها كلمة إنجليزية. إنها تكسر القواعد غير المكتوبة عن خصائص الكلمات الإنجليزية السليمة. من جهة أخرى فإن fingry لها الشكل الصحيح من الحروف (والمنطوق) الذي يجعلها تبدو وكانها كلمة إنجليزية حقيقية، والنهاية –gry تعطى إشارة على أنّ الكلمة تعبر عن صفة.
يتعلّم العقل البشري هذه القواعد بشكل آلي ويستخدمها ليقوم باختبار صلاحية كلّ الرسائل التي يستقبلها. وبهذه الطريقة نفرّق بين الرسالة التي لها معنى وبين سلسلة الرموز والمقاطع اللفظية التي بلا معنى.
كلّ اللّغات لديها قواعد ضمن قواعد ضمن قواعد. فقواعد كلمة trzeci في مقابل كلمة fingry تعمل على مستوى الحروف والأصوات، إنها تحدد أي حروف أو أصوات تتبع الأخرى. لكن الكثير من القواعد الأخرى تعمل على مستويات مختلفة كذلك. ومع أنها تعمل بشكل لاواعي، فإنك لن تشعر بها إلا إذا كان هناك خطأ ما في الرسالة، لأنها تنطلق كتنبيه آلي. على سبيل المثال، هناك قواعد تحدّد أية كلمة ستأتي بعد الكلمات والعبارات الأخرى على الأرجح، ويراقب دماغك تلك القواعد اللغوية باستمرار، ممّا يجعلك تعرف لو أن ترتيب الكلمات قد استخدم بشكل خاطئ. وهناك أيضًا قواعد لفحص معنى الرسالة أثناء معالجتك لها. فحتّى أكثر الجمل صوابًا وإتقانا يمكن أن يبدو منطوقها غريبًا إذا لم تكن ممّا يتوقّعه دماغك بالضبط، وعندما يحدث ذلك ستصطك الكلمة الخاطئة فورًا بأذنك(****).
هذه القواعد موجودة في كلّ مكان. إنّها تخبرك بالفرق بين صوت الخنزير الذي بلا معنى وبين الأصوات المتناغمة ذات المعنى، بين الكلمات التي لا معنى لها وبين الكلمات الحقيقية، أو بين الجمل السخيفة وتلك المفعمة بالمعنى. بعض هذه القواعد يصلح عبر العديد من اللّغات الإنسانية، فهناك حفنة بسيطة فقط من الأصوات التي تحمل في ذاتها معنى في الكلام الإنساني. وهناك بعض القواعد الأكثر تخصصًّا في لغات معينة، فالكلمات البولندية تظهر وتنطق بشكل يختلف كلّيًا عن الكلمات الإنجليزية لأن القواعد المتناظرة في اللغتين والتي تحدّد «سلامة الكلمات» مختلفة جدًّا. ولدى جميع اللّغات مجموعة هائلة من هذه القواعد التي تمنح اللّغة تركيبها وإسهابها.
عندما يطلق عقلك تنبيهًا عن كسر إحدى هذه القواعد، كأن يكون منطوق الكلمة ليس إنجليزيًّا أو كأن تحتوي الجملة على كلمة خاطئة، فإنه يخبرك أنّ تيار الحروف (أو الأصوات) الذي تتلقّاه لا يتوافق مع ما تتوقّعه منه كرسالة سليمة، كأن شيئًا ما ليس في مكانه، شيئًا ما مشوّه. وسيقوم عقلك باستخدام تلك القواعد والعمل بأثر رجعي، لتصحيح تلك المشكلة غالبًا. تمامًا مثلما يحدث في حالة وجود خطأ في تهجئة كلمة ما. فسيعمل عقلك بلا كللٍ على تطبيق القواعد المضبوطة للتهجئة حتّى يتمّ تصحيح تيار الرموز المشوّة، وستتمكن عندئذٍ من استخلاص معنى الجملة بالرغم من وجود هذا الخطأ، وليس هذا سوى أنّ الإسهاب يقوم بدوره.
هذه القواعد هي التي تسمح لك أيضًا بقراءة جملة حذفت منها الحروف المتحرّكة. فالقواعد الضمنية للّغة الإنجليزية تخبرك دومًا بان «th-s» هي على الأرجح this أكثر من كونها thms أو حتّى thes. فشكرًا للقواعد، لأنك ما زلتَ قادرًا على استخلاص معنى الرسالة حتّى لو قمتُ بكشط بعض جملها... طالما لم يتم إزالة الكثير جدًّا منها. لكن هناك نقطة لن يكون ممكنًا بعدها القيام بمزيد من التشويش أو ضغط الجملة دون أن تفقد معقوليّتها. قم مثلًا بكشط بعض الحروف أكثر من اللازم وستبدأ بفقد المعنى المتضمّن في الرسالة. وعندما تتخلّص من كلّ الإسهاب في سلسلة الحروف فإن ما سيتبقى، هو النواة الصُّلبة غير القابلة للانضغاط والتي يمكن قياسها. هذه هي المعلومات: إنّها الشيء المركزي الذي يقبع في قلب كلّ جملة وغير القابل للاختزال.
هذا تعريف تقريبي، فهو ليس كاملًا بقدر ما هو صحيح. فالمعلومات والإسهاب متكاملان، وعندما تزيل الإسهاب من سلسلة حروف أو رموز لهذا الغرض، فإن ما يتبقّى هو المعلومات. ويدرك علماء الكمبيوتر جيّدًا ذلك الجوهر الذي يتعذّر اختزاله في كلّ رسالة. وهو أمر هامّ عند تصميم، فلنقل، برنامج لضغط ملفات الكمبيوتر. فبرامج الضغط تسحق الملفّات ـ مثل التي تحتوي نَصّ هذا الكتاب ـ ولهذا فهي تشغل حيّزًا أقلّ على القرص الصُّلب أو أيّ وسيلة تخزين مشابهة. هذه البرامج جيّدة جدًّا، لكن هناك بعض الغموض الذي يلفّ طريقة عملها: فهي تعمل (غالبًا) على حذف كلّ الإسهاب من الملفّ، تاركة وراءها جوهر الملفّ فقط. ويصبح برنامج الضغط هذا مثاليًّا وذا قيمة تجارية إذا كان بإمكانه ضغط الملفّ بنسبة 60%، وما يتبقّى بعد ذلك لا يمكن ضغطه. فإذا قمت بتشغيل برنامج الضغط مرّة أخرى، فلن يمكن ضغط الملفّ أكثر من ذلك (جرّب ذلك بنفسك)، لا يمكن أن يكون أصغر من ذلك إلا إذا أردت أن تفقد بعض المعنى من الرسالة أو بعض المعلومات من الملفّ النصّي. فإذا حاول شخص أن يبيع لك برنامجًا يمكنه ضغط هذا الجوهر غير القابل للانضغاط ليكون حجمه أصغر، فعليك الاتصال بمكتب المباحث الفيدرالية FBI للإبلاغ عن قضية احتيال.