أنت هنا

قراءة كتاب فك شفرة الكون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فك شفرة الكون

فك شفرة الكون

كتاب " فك شفرة الكون " ، تأليف تشارلز سايف ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة

تقييمك:
3
Average: 3 (2 votes)
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 5

تتّخذ الرموز والشفرات أشكالًا عديدة مختلفة، لكنّها جميعًا لها هدف واحد، وهو نقل المعلومات من شخص إلى آخر. في الوقت نفسه ينبغي أن تكون عملية النقل تلك آمنة بحيث تمنع المتنصّتين من الحصول على هذه المعلومات إذا ما تمّ اعتراضها. ولم تكن الشفرات آمنة بشكل جيّد خلال معظم فترات التاريخ، فبقليل من التركيز كان بمقدور أيّ من مفكّكي الشفرة الأذكياء حلّ أعقد الرموز المشفّرة. ومع ذلك، فقد اعتمد الملوك والقادة العسكريين على تلك الطريقة العقيمة للترميز، حيث كان اعتراض الرسائل وتفكيك شفرتها يعني غالبًا الموت أو الهزيمة، وكان إرسال الرسائل الحسّاسة مخاطرة دائمة، لكنّها كانت مخاطرة ضرورية وجزءًا أساسيًّا من شؤون الدبلوماسية والحرب.

ليس مهمًّا الطريقة التي يستخدمها مصمّمو الشفرات في التلاعب بالكلمات والرموز والأرقام وكتب التشفير، وليس مهمًّا كيف كانوا يُخفون الرسائل ببراعة في ثقوب البراميل أو داخل ثمار القرع العسلي أو حتّى ضمن قصيدة شعر. إذ كانت هناك دومًا مخاطرة لا يمكن تجنّبها، كأن تكتشف تلك الرسائل ذات الأهمية القصوى أثناء نقلها من مكان إلى مكان. وكما كان الجنرالات يقومون بنقل القوات والجيوش والإمدادات من الوطن إلى الجبهة والعودة مرّة أخرى، فقد كان عليهم أيضًا نقل المعلومات. كانت هذه المعلومات وهي في طريقها، تشمل أي بتة ملموسة مثل «وزن طلقة الرصاص» أو «ثقل غلاف المدفع» أو وجود «شاحنة معبّأة بالذخائر».

وتعتبر الخاصية الجوهرية للمعلومات بكونها حقيقية وملموسة مثل الكتلة والطاقة والحرارة من أصعب الأشياء التي يمكن قبولها، إذ لا يمكنك رؤية أيٍّ من هذه الخصائص مباشرة لكنّك تتقبّلها كحقيقة. فالمعلومات حقيقية تمامًا، ويمكن قياسها والتعامل معها كوزن التفاحة الذي يمكن تقديره بالميزان أو تقسيمه باستخدام سكين. ولهذا السبب كان القادة والجنرالات والدبلوماسيّون يتحمّلون المخاطرة دومًا باستخدام الرسائل ضعيفة التشفير. فالمعلومات يجب نقلها من المرسل إلى المستقبل كما تنقل سبيكة الذهب من فورت نوكس Fort Knox إلى مينت Mint، ولا توجد طريقة سحرية لنقل المعلومات بشكل ثابت ومستقرّ، كما لا يمكن نقل سبيكة الذهب في الهواء مباشرة من سرداب إلى سرداب. فحتّى أكثر الكمبيوترات تقدُّمًا لا بدّ أن يكون لديها وسيلة لنقل المعلومات من مكان إلى مكان، سواء عن طريق خطّ التليفون أو الكابل المحوري أو حتّى عبر الهواء بالاتصال اللاسلكي. فإذا أردت نقل معلومة من كمبيوتر إلى كمبيوتر آخر، فلا بدّ من أن يكون هذا الانتقال مادّيًا بطريقة ما.

ولأنّ للمعلومات وجودًا ملموسًا وقابلية للقياس ككتلة المادّة، فإنّ هذا يعني إمكانية فقدها أو سرقتها كما يتمّ سرقة مادّة ما بالضبط. وكما يجب على الشخص الذي يقوم بنقل كمّية من الذهب من مكان إلى آخر أن يتحمّل بشجاعة مواجهة مخاطر قطّاع الطرق أو اللصوص، فإنّ القائد الذي يرغب في تبادل المعلومات عليه أن يتحمّل بشجاعة مواجهة خطر اعتراضها وتفكيك شفرتها. فالمعلومات مثل الذهب لا بدّ من نقلها وتحريكها من مكان لآخر حتّى يكون لها قيمة بالنسبة للبشر.

فوراء غموض عالم التجسّس الخفِي، على مصمّمي الشفرة ومفكّكيها البارعين أن يكونوا خبراء في التعامل مع المعلومات، وعند تصميمهم للرسالة المشفّرة عليهم العمل للتأكُّد من أنّ المعلومات سوف تصل من المرسل إلى المستقبل دون أن يكون بمقدور أي شخص آخر الوصول إليها. فلا يجوز أن تتسرّب المعلومات من الرسالة المشفّرة. وبالمقابل، فإنّ مفكّكي الشفرة الذين يعترضون رسائل العدوّ سيحاولون استخلاص المعلومات من خليط الحروف والرموز الذي يجري استقباله والذي يبدو بلا معنى، وهو ما يحدث في حالة الشفرة غير المتقنة، فتتسرّب المعلومات بالرغم من قيام مصمّمي الشفرة بأقصى جهودهم. حتّى إنّ أكثر مصمّمي الشفرة مهارةً لا يمكنه تحقيق المعجزة وضمان تشفير الرسالة وتوصيلها بأمان للمكان المطلوب، هنالك دومًا مخاطرة لاكتشافها.

وتعدّ الفكرة بأن ما يبدو تجريديًّا كالمعلومات يصبح شيئًا ملموسًا ويمكن قياسه فعليًّا، أحد المعتقدات المركزية في نظرية المعلومات. فقد ولدت هذه النظرية في الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة، حيث وضع علماء الرياضيات مجموعة من القواعد لتعريف المعلومات ووصف الطريقة التي تتصرّف بها. ولهذه النظرية يقين رياضيّ يندر وجوده في دنيا العلم التجريبي الفضفاضة، بحيث لا يمكن انتهاك قواعد تلك النظرية مثلما لا يمكن انتهاك قوانين الديناميكا الحرارية التي تمنع المخترعين من إنتاج آلة الحركة الأبدية. ومع أنّ المعلومات موجودة حولنا منذ قرون، إلا أن مصممي الشفرات قد بدأوا فقط خلال الحرب العالمية الثانية في تلمّس حدود هذه النظرية.

يتضمّن علم التشفير أول مفاتيح حلّ لغز طبيعة المعلومات. إنّه لا يقدّم لنا القصة كاملة، لكنّه سيعطينا فكرة عن كيفية أنّ المعلومات حقيقية وملموسة ويمكن قياسها ويجب حملها من مكان إلى آخر كسبيكة الذهب. ويعتبر الإسهاب redundancy أحد المحظورات على مصمّمي الشفرات، فهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم المعلومات، ويمكن أن يساعدنا فهم الإسهاب في تفسير لماذا تكون المعلومات ملموسة مثل الذرّة في جزء من المادّة.

فعندما تستقبل رسالة ما حتّى لو كانت شيئًا بسيطًا مثل «السماء زرقاء»، سيتوجّب عليك أخذ تتابع الكلمات ومعالجتها لفهم معنى هذه الرسالة. فأنت تستقبل تتابعًا من علامات على الورق (أو صوت في الهواء) وتستخلص المعنى من تلك العلامات. ويقوم الدماغ بأخذ مجموعة مجرّدة من الخطوط والمنحنيات التي تعني أن «السماء زرقاء» ثم يتعامل مع هذه الرموز لفهم الرسالة على أنّها جملة عن لون السماء في الخارج. هذه العملية، استخلاص المعنى من مجموعة رموز، هي عملية لا واعية. إنّها شيء يتدرّب عليه الدماغ البشري منذ اللحظة التي يناغي فيها الأبوان طفلهما في مهده، وفيما بعد تصبح عملية استخلاص المعنى من الرموز عملية انسيابية، وهكذا تكون سلاسة اللّغة. مع ذلك، فهذه العملية اللاواعية ـ استخلاص المعنى من الرموز المتتابعة ـ تعدّ أمرًا حاسمًا في قدرتنا على استخدام اللغة. وهذا هو مفهوم الإسهاب، لأن الإسهاب هو ما يجعل الرسالة سهلة الفهم.

الصفحات