كتاب " البحر - التليسي موسوعة وريادة " ، تأليف مجموعة مؤلفين ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب البحر - التليسي موسوعة وريادة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البحر - التليسي موسوعة وريادة
ـ 5 ـ النفيس وقصيدة البيت الواحد :
إن الذي يتبع أسلوب الاختيار الشعري ، فيجتنى مما هو مجموع مدون أشياء ويسقط أشياء أخرى ، إنما يبتغى غاية مؤداها أن تكون مختاراته مصورة للمثل الشعري فى بابها ، وأن تتوفر فيها شرائط الإحسان ، وجودة الاختيار ، لأنهم يقولون : " شعر الرجل قطعة من كلامه ، و ظنه قطعة من علمه ، واختياره قطعة من عقله " . (16)
وقديماً دقق النقاد فى مسألة اختلاف جودة مايختاره أبوتمام من شعر غيره عما يقوله شعراً من تلقاء ذاته ، فاتضح لهم أن هذه المخالفة ترتد إلى أن " أبا تمام كان يختار ما يختار لجودته لاغير ، ويقول مايقول من الشعر بشهوته ، والفرق بين ما يشتهى ويستجاد ظاهر " (17) لكنهم لم يبرزوا لنا وجه هذا الظهور ، فالتمسنا نحن تعليله فى : أن الجانب الذاتى يقوى أثره مع الشهوة الشاعرة ، ويضعف أثره إلى حد ما مع القوة الناقدة ، فيكون للشاعر حيزه ، وللناقد حيزه فى الذات الواحدة .
بهذه القوة الناقدة انتقى التليسي من شواهد التاج ما انتقى ، وأسقط ما أسقط . وفي صلب هذا التوجه كان الالتقاء بين "النفيس" معجما يتضمن اختيارات شعرية ، وبين "قصيدة البيت الواحد " مصنفا في الاختيارات الشعرية ، يتضمن بعض ما اختير من شعر النفيس ، وفي صلب هذا التوجه أيضا كان الالتقاء بين . "النفيس" و "قصيدة البيت الواحد"، فكلاهما بدأ التليسي يعمل فيه لاعبا ، وانتهى منه إلى جد لا لهو فيه ، وقد صرح المؤلف بهذا فقال : " ومن هذا اللعب ولعي بالبحث عما أسميته بقصيدة البيت الواحد ، أو البيت المفرد ، والذي قدمت شواهد له في الجزء الأول والثاني من مختاراتي عن الشعر العربي الصادرة في ستة أجزاء والسابع في طريق الصدور ، والتي غطت عصور الشعرالعربي منذ مطالع فجره حتى العصر الحاضر ، وفي العزم أن ينتهي إلى عشرة أجزاء ، يدخل في نهايتها شعراء الحداثة .
وقد اتسعت قراءاتي في هذا الباب بحثا عن البيت المفرد ، حتى غطت ديوان الشعر العربي ، ثم كانت الرحلة إلى المعاجم بحثاً عن هذا البيت المفرد ، وفي هذه المعاجم بعض منها ، ولكن أصحاب المعاجم لا يقفون إزاءها وقفة إبداعيـة ، يبحثـون عن الومضة والإلماعة ، والدفقة الوجدانية ، وتشغلهم فقط اللفظة إما في أصولها واشتقاقاتها ، أو في غرابتها . وأعتقد أن إغفال الجانب الإبداعي في الشاهد الشعري ، قد أضعف تأثير هذه المعاجم في مسار الإبداع الشعري العربي " (18)
لامناص من نقل هذه الفقرة كاملة ، ففى نقلها تتبدى القرب القريبة بين " النفيس "، و" قصيدة البيت الواحد " ، وهما عملان متكاملان ، عملان يستنهضان الهمم، للقضاء على التوجس بين أصحاب التراث ، وأصحاب الحداثة ، سيما المتشككون من هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء إلى ثقافة تجمعهما ، إذ لا معنى لحداثة تعزل نفسها عن تراث بينها ، ولاجدوى من تراث لا يملأ رئتيه من هواء الحياة المتجدد .