أنت هنا

قراءة كتاب تسعة أبحاث منطق فلسفية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تسعة أبحاث منطق فلسفية

تسعة أبحاث منطق فلسفية

كتاب " تسعة أبحاث منطق فلسفية " ، تأليف ويلارد كواين ترجمه إلى العربية نجيب الحصادي ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 8

إحدى السبل التي ربما حاول ماكس وفقها بشكل طبيعي فرض مذهبه الأنطولوجي في الكليات علينا سلف اطراحها جانبا حين ناقشنا إشكالية الكليات. ليس بمقدوره أن يجادل بأن احتياز محاميل مثل "الحمرة" و"يكون أحمر"، التي نتفق بخصوص استخدامها، على معنى إنما يرتهن باعتبارها أسماء يسمي كل منها شيئا كليا مفردا. ذلك أننا رأينا أن التسمية سمة أكثر تخصصية من الاحتياز على معنى. إنه لا يستطيع حتى اتهامنا ـ على الأقل ليس بهذه المحاجة ـ بأننا افترضنا خاصية البيجسة حين قمنا بتبني المحمول "يتبيجس".

على ذلك، ينتهج ماكس استراتيجية مختلفة. إنه يقول "دعونا نقبل هذا التمييز بين التسمية والمعنى الذي بالغتم في توكيد أهميته، بل دعونا نسلم بأن "يكون أحمر" و"يتبيجس" ليست أسماء لخصائص. سوف تظلون ملزمين بالاعتراف بأنها تحتاز على معاني، وهذه المعاني بصرف النظر عما إذا تم تسميتها تظل كليات. إنني أغامر إلى حد الزعم بأن بعضا منها هي ذات الأشياء التي أقول إنها خصائص، أو ما يبلّغ في نهاية المطاف المقصد نفسه."

بالنسبة لماكس، هذه خطبة عصماء، والطريقة الوحيدة التي أعرفها للرد عليها إنما تتعين في رفض قبول المعاني. على أذلك فإنني اشعر بأنني راغب عن رفضي إياها، إذ أنني لا أنكر احتياز الألفاظ والجمل على معاني. قد أتفق مع ماكس حرفيا بخصوص تصنيف الأشكال اللغوية إلى أشكال تحتاز على معنى وأخرى يعوزها المعنى، رغم أنه يعتبر الاحتياز على معنى امتلاكا (بإحدى دلالات "الملكية") لشيء مجرد يسميه المعنى، في حين أنني لا أفترض ذلك. إنني أظل حرا في إقرار أن حقيقة احتياز منطوق لغوي معطى على معنى (أو كونه مفيدا، كما أفضل القول، بحيث لا اقترح افتراض المعاني بوصفها أشياء مجردة) واقعة حقيقية نهائية لا تقبل الرد، وقد أضطلع بأمر تحليلها مباشرة عبر ما يقوم به الناس في حضرة المنطوق اللغوي المعني والمنطوقات المشابهة له.

تُرد الطرق المفيدة التي يتحدث وفقها الناس أو يبدو أنهم يتحدثون وفقها إلى طريقتين: ما يسمى إهابة معنى للمنطوق، الذي هو كونه مفيدا، وتشابه المعنى الذي هو ببساطة نطق مرادف معبر عنه بلغة عادة ما تكون أكثر بيانا من الأصل. إذا كانت لدينا حساسية ضد المعاني بوصفها كذلك، نستطيع التحدث مباشرة عن المنطوقات باعتبارها مفيدة أو غير مفيدة، وعن ترادف أو تغاير منطوق مع آخر. صعوبة إشكالية تفسير التعبيرين "مفيد" و"مرادف" بوضوح ودقة، عبر السلوك كما أفضل، لا تقل عن أهميتها8. بيد أن القيمة التفسيرية للأشياء الخاصة والوسيطة وغير القابلة للرد التي تسمى معاني مجرد وهم.

جادلت حتى الآن بأننا نستطيع استعمال الألفاظ المفردة في جمل بشكل يحتاز على معنى دون افتراض وجود أشياء يفهم من تلك الألفاظ أنها تسميها. جادلت أيضا بأننا نستطيع استعمال الألفاظ الكلية، كالمحاميل، دون إقرار أنها تسمى أشياء مجردة. فضلا عن ذلك، جادلت بأننا نستطيع اعتبار المنطوقات مفيدة واعتبارها مترادفة أو متغايرة ، دون افتراض عالما من الأشياء تسمى المعاني. هنا يشرع ماكس في التساؤل عما إذا كان ثمة حد لمناعتنا الأنطولوجية. ألا يوجد شيء نقوله يلزمنا بافتراض كليات أو أية أشياء أخرى غير مرغوب فيها؟ سبق أن اقترحنا إجابة سلبية عن هذا السؤال، حين تحدثنا عن المتغيرات المقيدة، أو متغيرات المكممات، فيما يتعلق بنظرية رسل في الأوصاف. نستطيع بسهولة إقحام أنفسنا في التزامات أنطولوجية بأن نقول مثلا إن هناك شيئا ما (متغير مقيد) يشكل قاسما مشتركا بين المنازل الحمراء والغروب، أو أن ثمة شيئا هو عدد أولي أكبر من المليون. بيد أنه ليست هناك طريقة أخرى لإقحام أنفسنا في التزامات أنطولوجية، عنيت طريقة مغايرة لاستخدام متغيرات مقيدة. استعمال الأسماء المزعومة ليس معيارا، فنحن نستطيع إنكار قيامها بالتسمية بسهولة، ما لم يكن بالمقدور موضعة افتراض الشيء المعني ضمن الأشياء التي نقوم بإقرارها عبر متغيرات مقيدة. الراهن أن الأسماء ليست مهمة إطلاقا للمسألة الأنطولوجية، فكما بينت بخصوص "بيجاسوس" و"يتبيجس"، بالمقدور تحويل الأسماء إلى أوصاف، وقد أثبت رسل أنه بالمقدور الاستغناء عن الاوصاف. كل ما نقوله باستخدام الأسماء قابل لأن يقال بدونها. افتراض الشيء بوصفه كائنا إنما يعني ببساطة اعتباره قيمة لمتغير. وفق تصنيفات النحو التقليدية، هذا يعني تقريبا أنه أن تكون هو أن تكون ضمن نطاق إشارة ضمير. الضمائر هي الوسيط الأساسي للإشارة، ولربما كان أحرى بالأسماء أن تكون ضمائر. متغيرات التكميم، "شيء ما"، "لا شيء"، "كل شيء"، تستنفد نطاق مذهبنا الأنطولوجي بأسره، بصرف النظر عن طبيعته، ونحن ملزمون بافتراض أنطولوجي بعينه إذا وفقط إذا توجب اعتبار المفترض المزعوم ضمن الأشياء التي تسري عليها متغيراتنا لجعل واحد من إقراراتنا صحيحا. نستطيع مثلا أن نقول إن بعض الكلاب بيضاء دون أن نلزم أنفسنا بالتسليم بالكلبية أو البيضاوية بوصفها أشياء. "بعض الكلاب بيضاء" تقر أن بعض الأشياء التي هي كلاب تتصف بأنها بيضاء، وصدق هذه الجملة إنما يتطلب أن تشتمل الأشياء التي تدخل في نطاق المتغير المقيد "بعض الأشياء" على بعض الكلاب البيضاء ،ولا تشترط اشتمالها على الكلبية أو البيضاوية. من جهة أخرى، حين نقول إن بعض الفصائل الحيوانية مهجنة، فإننا نلزم أنفسنا بالتسليم بالفصائل المتعددة نفسها، بوصفها أشياء، حتى إن كانت أشياء مجردة. الواقع أننا نظل ملزمين بها إلى أن نتمكن من استحداث طريقة لإعادة صياغة تلك الجملة بحيث يستبان أن الإشارة البادية إلى الفصائل التي يقوم بها متغيرنا المقيد أسلوب في الحديث يمكن تجنبه9.

الرياضيات الكلاسيكية، كما يوضح مثال الأعداد الأولية التي تتجاوز المليون، مفعمة بالالتزام بأنطولوجيا الأشياء المجردة. من هنا قام جدل كبير في العصور الوسطى حول الكليات تجدد ثانية في الفلسفة الحديثة للرياضيات. لقد بدت هذه المسألة أكثر وضوحا لأنه أصبح لدينا معيار اكثر صراحة لتحديد الأنطولوجيا التي تلتزم بها النظرية أو المقال المعطى. النظرية ملزمة فحسب بكل الأشياء التي يتعين على متغيرات النظرية المقيدة أن تستطيع الإشارة إليها لجعل إقراراتها صادقة.

ولأن معيار الافتراض الأنطولوجي هذا لم يستبن في الموروث الفلسفي، لم يلحظ فلاسفة الرياضة المحدثون بوجه عام أنهم كانوا يجادلون حول ذات إشكالية الكليات القديمة في صياغة تم توضيحها حديثا. بيد أن الانقسامات الأساسية ضمن الرؤى المحدثة في أسس الرياضة إنما ترجع صراحة إلى اختلافات حول نطاق الأشياء التي يتعين السماح للمتغيرات المقيدة بأن تقوم بالإشارة إليها.

يسمي المؤرخون وجهات النظر الثلاث الرئيسة في الكليات بالواقعية، المفهومية، والإسمية. إن هذه المذاهب الثلاثة تعود إلى ظهور في مسوح القرن العشرين الخاصة بفلسفة الرياضيات تحت مسميات حديثة؛ المنطقية، الحدسية، والصورية.

الصفحات