أنت هنا

قراءة كتاب تسعة أبحاث منطق فلسفية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تسعة أبحاث منطق فلسفية

تسعة أبحاث منطق فلسفية

كتاب " تسعة أبحاث منطق فلسفية " ، تأليف ويلارد كواين ترجمه إلى العربية نجيب الحصادي ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 10

أعتقد أن قبولنا أنطولوجيا ما يشبه من حيث المبدأ قبولنا نظرية علمية، مثال نسق في الفيزياء. إننا نتبنى، على الأقل بقدر ما نكون عقلانيين، مخططا مفهوميا يمكن عبره موضعة وترتيب الأجزاء المشوشة من الخبرة الخام. يتم تحديد أنطولوجيا بمجرد أن نقوم بتثبيت المخطط المفهومي الشامل الذي يلائم العلم بالمعنى الأوسع، والاعتبارات التي تحدد البنية المعقولة لأي جزء من المخطط المفهومي، مثل الجزء البيولوجي أو الفيزيائي، لا تختلف من حيث النوع عن الاعتبارات التي تحدد البنية المعقولة للكل. القدر الذي نستطيع وفقه إقرار أن تبني أي نسق علمي يعد أمرا لغويا، هو ذات القدر الذي نستطيع وفقه إقرارا ذات الأمر نسبة إلى الأنطولوجيا.

بيد أن البساطة، بوصفها مرشدا في تشكيل المخططات المفهومية، ليست فكرة واضحة بل غامضة، وهي قادرة على طرح معيار مزدوج أو متكثر. تخيل مثلا أننا قمنا باستحداث مجموعة من المفاهيم غاية في البساطة تناسب وصفا دقيقا للخبرة. لنفترض أيضا أن أشياء هذا المخطط، قيم المتغيرات المقيدة، عبارة عن وقائع ذاتية مفردة، حسية وتأملية. لا ريب أننا سوف نظل نجد أن المخطط المفهومي الفيزيائي، الذي يقصد الحديث عن أشياء خارجية، بتسم بمميزات عظيمة بسبب قيامه بتبسيط تقريراتنا الملاحظية الشاملة. بالربط بين الوقائع الحسية المبعثرة والتعامل معها بوصفها إدراكات لشيء واحد، نقوم برد تعقيد تيار الخبرة إلى بساطة مفهومية يمكن تدبر أمرها. الراهن أن قاعدة البساطة تشكل عندنا المبدأ المرشد في ربط المعطيات الحسية بالأشياء. على هذا النحو نقوم بالربط بين معطى حسي سابق بالدائرية وآخر لاحق بما يعتبر ذات العملة، أو بما يعتبر عملتين مختلفتين، امتثالا لمطالب مبدأ البساطة في صورتنا الكلية للعالم.

لدينا هنا مخططان متنافسان، أحدهما فينومولوجي والآخر فيزيائي. أيهما يتعين أن يهيمن؟ لكل مميزاته، ولكل بساطته التي يختص بها. أقترح أن كلا منهما جدير بأن يتم تطويره. الواقع أنه بالمقدور أن يقال عن كل منهما إنه الأكثر أساسية، ولكن بمعاني مختلفة، فالأول أساسي ابستمولوجيا والآخر ماديا.

يقوم المخطط المفاهيم الفيزيائي بتبسيط تصورنا للخبرة بسبب الطريقة التي يربط بها بين الوقائع الحسية المتكثرة وما يسمى أشياء مفردة. على ذلك، من غير المرجح أن يكون بالإمكان فعليا ترجمة كل جملة عن الأشياء الفيزيائية، حتى بطرق معقدة أو ملتوية، إلى لغة فينومولوجية. الأشياء الفيزيائية كينونات مصادر عليها تجمع شتات تصورنا للخبرة وتقوم بتبسيطه ، تماما كما عمل طرح الأعداد الصماء على تبسيط الحساب. من وجهة نظر المخطط المفهومي للحساب الابتدائي للأعداد الصماء وحده، يعد الحساب الأكثر شمولية للأعداد الصماء والمُنطقة مستحدثا مفيدا من صنع الخيال، أبسط من الحقيقة الموضعية (أي حساب العلاقات) لكنه يشتمل على الحقيقة الموضعية كجزء مبعثر. وعلى نحو مماثل، من وجهة نظر فينومولوجية، يعد المخطط المفهومي للأشياء الفيزيائية مستحدثا خياليا مفيدا، أبسط من الحقيقة الموضعية لكنه يشتمل عليها كجزء مبعثر12.

ولكن ماذا عن فئات أو خصائص الأشياء المادية؟ إن هذا النوع من الأنطولوجيا الأفلاطونية، من وجهة نظر مخطط مفهومي مادي بشكل متطرف، لا يقل عند الفينومونولوجيين خيالية عن ذلك المخطط الفيزيائي نفسه. إن هذا المستحدث الخيالي الأعلى مرتبة يعد بدوره جيدا ومفيدا بقدر ما ينجح في تبسيط تصورنا للفيزياء. وعلى اعتبار أن الرياضيات جزء مكمل لهذا المستحدث، فإن نفع الأخير للعلم بيّن إلى حد كاف. على ذلك، فإنني بالحديث عنه بوصفه مستحدثا خيالا إنما أحاكي فلسفة الرياضية التي أشرت إليها باسم الصورية. غير أنه بالمقدور على نحو مماثل اتخاذ مواقف صورية تجاه المخطط المفهومي الفيزيائي من قبل محبي الجمال والفينومولوجيين الخلّص.

المناظرة بين مستحدث الرياضة ومستحدث الفيزياء تعد، بطرق إضافية واتفاقية، قريبة إلى حد ملفت للنظر. اعتبر مثلا الأزمة التي استفحل أمرها في أسس الرياضة في بداية القرن بسبب اكتشاف مفارقة رسل وسائر المتناقضات في نظرية الفئات. لقد اضطر الرياضيون آنذاك إلى القيام بتجنب المتناقضات بسبل آدهوكية أعوزتها البداهة13.هكذا أصبح استحداثنا للخيال مقصودا وواضحا للجميع. ولكن ماذا عن الفيزياء؟ لقد نشأت المتناقضة بين التصورين الجسيمي والموجي للضوء، وإذا لم يكن هذا ببيان المتناقضة في نظرية رسل، فلعل السبب يرجع إلى أن الفيزياء ليست بوضوح الرياضيات. أيضا فإن أزمة العصور الحديثة في أسس الرياضة التي تعد التالية من حيث الحجم، والتي حدثت عام 1931 بسبب قيام جودل (Godel [2]) بإثبات أن هناك جملا حسابية مقيدة وغير محسومة، لها ما يناظرها في الفيزياء في مبدأ هيزنبرج في اللاتحديد.

الصفحات