كتاب " جوانب من الخدمات في المدن العراق القديم " ، تأليف ياسر هاشم حسين علي الحمداني ، والذي صدر عن دار زهران عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب جوانب من الخدمات في مدن العراق القديم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
جوانب من الخدمات في مدن العراق القديم
كما ورد عن احداث سنة (33) من حكم الملك حمورابي ما يلي: "حمورابي ثروة الشعوب, ... امر بحفر القناة, المياه الفائضة على الدوام جعلها تصل الى نيبور واريدو ولارسا والى ايسن"(189).
وقد جاء ذكر اسم احدى القنوات في نص يعود للملك حمورابي اثناء بنائه سور سبار(190) فيقول:
"انا حمورابي الملك الصنديد, ..........
لقد شيدت سور سبار من التراب ..........., وحفرت قناة سبار واوصلتها الى مدينة سبار..., ثم اقمت مرفأ السلامة هناك..." (191).
وقد تتعرض قنوات الري الى حالات تصريف مياه كثيرة, مما يتسبب احيانا في احداث تكسرات في سداداتها(192) الترابية, ويحدث ذلك في اوقات الفيضان ومواسم السقي, لذلك كان السهر على تقوية السداد(193) وتعليتها من الامور التي تعكس وعيا عاليا, وذلك لاهمية الارواء وخطورته في آن واحد, كما ان الاعمال المتعلقة بالسداد تكشف عن التنظيم والمراقبة الدقيقة, اذ ان الاهمال والتقصير في ذلك كان يوقع مرتكبه تحت طائلة القانون(194).
وضع الملك حمورابي في قانونه الشهير مواد قانونية عديدة تتعلق بشؤون خدمات الارواء وضرورة تنظيمها, اذ وضع حداً للتقصير الذي قد ينجم عنه خسائر كبيرة والتي تضر بالصالح العام فكان لابد من اصدار مواد قانونية صارمة بشأن معاقبة المقصرين ومحاسبتهم بما يتناسب وحجم الضرر الذي سببوه, اذ نصت م (53) من قانون حمورابي على ما يأتي: "اذا تقاعس رجل في تقوية سداد حقله ولم يقو سده وحدثت ثغرة في سده وجرفت المياه الارض المائية, يعوض الرجل الذي حدثت الثغرة في سده الحبوب التي تسبب في فقدها"(195).
يتبين من النص ان القانون الزم الشخص المهمل في تقوية سداد قناة حقله وتسبب في اغراق الحقول المجاورة لحقله القيام بتعويض اصحاب تلك الحقول المتضررة بما وقع عليهم من ضرر في محاصيلهم الزراعية نتيجة ذلك الضرر(196), وقد لا يتمكن الشخص ماديا من دفع التعويضات التي اقرها القانون لاصحاب الاراضي المتضررة, فعندها يباع كعبد وتباع ارضه ويوزع ثمنها على المتضرريين كتعويض لهم, وقد جاء ذلك في م(54) من قانون حمورابي وكما يلي: "اذا لايقدر على تعويض الحبوب, يبيعونه بالفضة هو وممتلكاته ويتقاسم(الثمن) اصحاب الاراضي المائية التي جرفت المياه حبوبها"(197).
ويتضح من هذه المواد مدى القسوة التي اتبعها القانون في معاقبة المهملين من الفلاحين والمتسببين في اضرار الغير نتيجة اهمالهم وتقاعسهم عن العمل, ويبدو ان المشرع اراد بذلك منع الفلاحين من الاهمال وصدهم عنه, فنص على بيعهم في حالة عدم تمكنهم من تعويض المتضررين, كما يلاحظ في المادة (54) ان المتضررين هم اكثر من شخص واحد مما يشير الى ان اهمال الفلاح لسداد قناة حقله قد سبب اغراق غالبية الحقول المجاورة واتلاف مزروعاتها, كما يلاحظ اتباع مبدأ تقسيم المبلغ المحصل من بيع الفلاح وامواله بين المتضررينولابد وان كان ذلك بالنسبة لقيمة الضرر الواقع على كل منهم(198), اما م(55) والتي نصت ما يلي: "اذا فتح رجل جدوله (قناته) للسقي وتقاعس وتسبب في ان تجرف المياه حقل جاره يكيل حبوبا مثل (غلة) جاره"(199), وهذه المادة ستتحدث عن الحالة نفسها باستثناء كون الضرر كان نتيجة اهمال الفلاح اثناء فتح قناة او جدول المياه وترك المياه تغمر الحقل المجاور فعيله ان يعوض الفلاح المتضرر بما يقابل انتاج الحقل المتوقع, والاختلاف واضح بين هذه المادة أي (55) و م(53) والتي نصت على تعويض المتضرر بما يقابل الحبوب التي اتلفت نتيجة الضرر, ففي م(53) يتحمل الفلاح المهمل تعويض المتضرر بما يساوي قيمة الحبوب المزروعة فقط, اما م(55) فيبدو ان الضرر وقع بعد ان نبت الزرع ومضى عليه فترة من الزمن ولم يعد بالامكان اعادة زراعته لذا كان على الفلاح المهمل لسداد قناةحقله, ان يعوض المتضرر بما يساوي ما كان متوقعا ان ينتجه الحقل استنادا الى انتاج الحقل المجاور(200).
اما م (56) فقد نصت على ما يلي: "اذا فتح رجل الماء وتسبب في ان تجرف المياه عمل حقل جاره, يغرم 10 كور حبوبا(201) لكل بور"(202).
وجاءت م(56) (203) لتحدد التعويض الذي يدفعه الفلاح المهمل الذي تسبب بتخريب العمليات الزراعية التي عملت في الحقل المجاور نتيجة فتحه سداد قناة الماء في حقله, وذلك بنسبة عشرة (كور) من الحبوب لكل (بور) من الارض(204).
كما وجه الملك حمورابي عددا من الرسائل الى موظفيه تتعلق بتنظيم خدمات الري وانجاز حفر القنوات, فهناك رسالة موجهة الى (سين – ادينام)(205) طلب منه الملك ان يدعو جميع الرجال الذين يملكون الارض على قناة (دومانوم) للعمل من اجل تنظيف هذه القناة على ان يتم انجاز العمل مع بداية الشهر, وفي رسالة اخرى دعى الملك حمورابي (سين – ادينام) الى اكمال العمل في احدى القنوات وايصال المياه الى مدينة الوركاء(206).
وقد تسلم (شمش خاصر) حاكم لارسا رسائل من الملك حمورابي تتعلق باعمال الري, واخبره حمورابي في احد المرات ان فيضان الفرات مر ببابل واقترب من منطقة لارسا, وربما كان ذلك ايذانا (لشمش خاصر) بفتح قنوات الري المؤدية الى بحيرة الخزن ومليء هذه البحيرة المحيطة بلارسا لمنع الفيضان من تحطيم السدود او اغراق المزارع, وتشير رسالة اخرى لحمورابي الى تعيين عدد من الموظفين لمواجهة الظروف المناخية السيئة ويكونوا على اهبة الاستعداد لحفر قناة يحول مجراها اثناء الفيضان وذلك لمنع تكسر السدود(207).
كذلك اصدر حمورابي اوامره لاتخاذ الاحتياطات الضرورية في عدد من القنوات لتتمكن من تزويد لارسا واور بالمياه في كافة الظروف, وعندما اشتكى عدد من الفلاحين عند الملك حمورابي بأن مزارعهم مرتفعة لا تصل اليها المياه بسبب انخفاض منسوب الماء في القنوات امر حمورابي التأكد من الامر وطلب من موظفيه معالجة مشكلتهم, اما باعطائهم مزارع جديدة او اتخاذ اجراءات عند مصب القنوات لرفع مستوى الماء(208).
لقد كان من واجب الحكام المحليين الاشراف على خدمات الري من خلال القيام باصلاح وترميم القنوات وكريها وكان لهم صلاحيات في استخدام سكان القرى المحلية وملاكي الاراضي القريبة من ضفاف القنوات في العمل, واحيانا كان الملك يشرف بصورة مباشرة على خدمات الري ويقوم بجولات تفتيشية للمشاريع الخاصة بالري والحقول الزراعية, اذ كان بعض الملوك على علم ببعض الحقول ويعرفون اصحابها(209).