كتاب " عقود التبرع الواردة على الملكية العقارية - الجزء الأول " ، تأليف خير الدين فنطازي ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب عقود التبرع الواردة على الملكية العقارية - الجزء الأول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

عقود التبرع الواردة على الملكية العقارية - الجزء الأول
هناك من حصر الوقف في ركن واحد وهو''الصيغة'' الدالة عليه أو على إنشائه، وهذا انطلاقا من التفسير الذي أعطى للركن أنه جزء من حقيقة الشيء(35).
وعند غير هؤلاء فهي أربع أركان يقوم عليها الوقف، وما الصيغة إلا ركن من أربعة وهذا الرأي الأخير هو الذي يعبر عن موقف المشرع الجزائري بين هذه الآراء(36). ذلك أنه وانطلاقا من التفسير القانوني للركن على أنه كل ما يتوقف عليه الشيء، جعل بذلك أركانه أربعة، حيث نص في المادة 09 من قانون 91/10 المتعلق بالأوقاف على ما يلي:
'' أركان الوقف هي:
1. الواقف.
2. محل الوقف.
3. صيغة الوقف.
4. الموقوف عليه ....''
سنوضح بالبيان كل ركن من هذه الأركان، وما يستلزمه القانون من شروط حتى يكون هذا الركن قانونيا، من خلال الآتي:
القسم 1: الواقف.
الواقف هو الشخص الذي يصدر منه تصرف قانوني من جانبه، من شانه أن يغير ملكية العقار الموقوف ويجعله غير مملوك لأحد من العباد، وينشئ حقوقا عينية فيه للموقوف عليهم''(37)، ويجعله خاضعا لنظام خاص يقرر القانون قواعده، وتتناول الشريعة الإسلامية أحكامه بكثير من التفصيل.
فالواقف إذن ينشئ بإرادته تصرفا قانونيا يجعل ملكيته من بعده غير مملوكة لأحد من العباد، قصد إنشاء حقوق عينية عليها لمن يعينه بإرادته، على اعتبار أن الوقف قربة اختيارية يضعها فيمن يشاء، وبالطريقة التي يختارها.
ومع أن الواقف إرادته في الوقف محترمة إلا أنها مقيدة بأحكام الشارع، التي يفترض في الواقف جملة من الشروط حتى تصرفه ويكون نافذا في حق الغير.
ولقد أتى المشرع الجزائري على ذكر الشروط التي اشترط توافرها فيه من خلال المادة 10 من القانون السالف الذكر، حيث نص على ما يلي:
''يشترط في الواقف لكي يكون وقفه صحيحا ما يأتي:
1. أن يكون مالكا للعين المراد وقفها، ملكا مطلقا.
2. أن يكون الواقف ممن يصح تصرفه في ماله، غير محجور عليه لسفه أو دين.''
لذلك فإن شروط الواقف في نظر القانون هي:
أولا: أن يكون الواقف مالكا للعين الموقوفة.
لقد اشترط المشرع في الواقف أن تكون ملكيته للعين الموقوفة ملكية مطلقة حيث جاء في نص المادة السالف ذكرها: ''أن يكون مالكا للعين المراد وقفها ملكا مطلقا''.
والجدير بالذكر وبالاهتمام هو مقصود المشرع بعبارة ''ملكا مطلقا''، إذ لا يعقل أن يكون للمالك من خلالها سلطات على ملكه دون قيد، إذ لم يعد لحق الملكية طابع الإطلاق كما هو معروف،
الذي كان يضفي عليها في الماضي، ذلك أنه يمثل وظيفة اجتماعية بقدر ما يعتبر ميزة للمالك(38)، لذلك استوجب على المشرع النظر في هذه الصياغة.
ومن ثمة القول بأن الأصح في مقصود المشرع من هذا الشرط، أنه ينبغي أن تكون العين المراد وقفها مملوكة للواقف ''ملكا تاما'' وهي ملكية يستجمع فيها المالك كل السلطات التي يستطيع أن يباشرها على الشيء الذي يملكه، وهو ملك يخول صاحبه الحصول على جميع المزايا التي يمكن استخلاصها من الشيء وهي سلطات ثلاث: ''الاستعمال، والاستغلال والتصرف.'' ولكن في حدود ما يسمح به القانون، إذ الحرية هي الأصل، وإذا كان هناك قيد فلا يكون إلا بمقتضى نص أو اتفاق.
وعليه ينبغي أن يكون الواقف مالكا للشيء الموقوف ملكا تاما، حتى يستطيع التصرف فيه، ذلك أنه إذا لم يكن مالكا، كان وقفه كالعدم، ففاقد الشيء لا يعطيه، والعبرة فيه أن من ملك الشيء ملك منفعته، ومن ملك منفعة الشيء فبإمكانه أن يمكن غيره من الانتفاع بذلك الشيء.
غير أن الكثير من رجال القانون من يروا بأنه إذا وقف شخص ما لا يملك على أنه يملكه فالوقف لا يكون باطلا ولكن يتوقف على إجازة المالك، غير أن المشرع الجزائري أعطى لهذه المسألة حكما على عمومها، حيث اعتبره وقفا باطلا، باعتباره تصرف في ملك الغير، وأيده في ذلك القضاء الجزائري حيث قررت المحكمة العليا في كثير من قراراتها لإبطال الوقف الصادر عن غير مالك، حتى ولو كان الواقف يظن بأنه مالكا للعين الموقوفة كلها، في حين نازعه في جزء منها ورثة آخرون معه يجهلهم، ومن أمثلة تلك القرارات:
1. القرار الصادر في 21/11/1988 الذي قضت فيه المحكمة العليا بنقض قرار المجلس الذي صحح عقد حبس محرر من طرف شخص في حين كانت العين الموقوفة ملك لشخص آخر(39).
2. وفي القرار الصادر في 28/09/1993 الذي اعتبرت فيه المحكمة العليا الحبس المتضمن مال المحبس مع مال أخيه، بأنه صحيح في الجزء من المال الذي يملكه الواقف، وباطل الوقف المنصب على مال أخيه، لأن الواقف لا يملكه(40).

