أنت هنا

قراءة كتاب بول ريكور والفلسفة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بول ريكور والفلسفة

بول ريكور والفلسفة

هذا الكتاب الذي أشرف عليه د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 10

- ريكور وسؤال الهوية:
الهوية بمنظور ريكوري هي إستراتيجية تغييرية تتجاوز المساءلات الميتافزيقية لتتجه صوب الصور والنماذج التي تتمثل من خلالها الذات، وتشكل مجموعة تمثلاتها داخل العالم، فقد حاول ريكور أن يمنح تصورا جديدا للهوية ولمفهوم الزمن، تتحدد وفق هذا التصور علاقة الإنسان بنفسه، وعلاقته بالعالم أي بالآخر، فتتراءى بناء على هذه العلاقات مصير الإنسان وغايته في الحياة.
لكن قد لا يمكن تحديد معنى الهوية بعيدا عن التصورات الميتافزيقية وعن سلطة براديغم الذات الديكارتية، إلا مع تأويلية الذات، وإعادة البحث عن تصور فلسفي لمفاهيم الذات والهوية والشخص، تكون كمعيار يضبط وفقه مغزى وجود الإنسان من خلال ضبط أشكاله الهوياتية، وكوسيلة أيضا للتعامل الفعال مع الزمن.
وعليه فإن سؤال الهوية لدى ريكور سيتخذ مستويات ثلاث، تؤطرها تساؤلات ثلاث:
ماذا أكون أنا؟: هذا السؤال يناظر ويرمي إلى تحديد ميزة وخصوصية هذه الذات، وهذا التساؤل يدرجه ريكور ضمن ما يسميه بالهوية المتطابقة l’identité-idem.
- من أكون أنا؟: هذا السؤال يجيب عن قدرة الذات في الالتزام بكل وعودها، وهذا ما يسميه ريكور بالهوية الذاتية l’identité-ipse.
- ما يتوسط هذه الأنا؟: هذا السؤال لربما يمثل أهم مظاهر هذه الأنا، لأني "أنا" في الأساس حياة مروية، وهذا النمط الهوياتي يدعوه ريكور بالهوية السردية l’identité-narrative.
ويمكن أن نمفهم هذه العلاقات الهوياتية من خلال استيعاب دقيق لمختلف الجوانب التي تتداخل فيها هذه الأشكال المعطاة فضمن "تصور ريكور للهوية الشخصية نجدها تتألف من قطبين مرتبطين مع بعضهما وفق علاقة ديالكتيكية، أحد هذين القطبين يمكن أن يرسّم التوازن القائم بين الهوية العددية للشخص، والفعل الذي يؤكد أن الشخص هو ذاته (soi-même)، من جهة إسكان الشخص في الزمن، ومن جهة أخرى أكون أنا ذاتي (moi-même)"[57].
وعليه يمكن القول بأن العامل الذي كان وراء تماهي مفهوم الهوية لدى ريكور من خلال هذه الأنماط، تمثل في إدراك الرابط بين الذات والأنا، ما يترتب عنه ارتقاء وعينا بحركية هذه الأنا داخل الزمن المستمر، ما سيمنح الإنسان رؤية أكثر تفاؤلية للوجود وأسئلته المقلقة.
ولعل المنطلق الرئيس الذي خلص إليه ريكور في ضبط نسق الهوية وغيرية الذات تمثّل أولا "في استئناف سؤال "من؟" كما اقترحه هيدغر في الفقرة 25 من الوجود والزمان. وتحويله إلى مقام نموذجي للبحث الفلسفي بعامة، وثانيا تمييزه الرشيق بين بعض المصطلحات التي طورها هيدغر (..) بين مصطلحي «Mémeté» (الهوهوية أو التطابق المنطقي أو الرياضي و«Ipséité») الهوية التي ترفع الهوية identité الشخصية أو الجماعية من الدلالة الأنثروبولوجية للإنسان إلى الدلالة الفينومينولوجية للهو. وثالثا افتراضه بأن حل مسألة الهوية من حيث إنها تتقوّم أساسا بضرب معين من الزمانية هو "الاستمرار في الزمان"، يكمن في استعمال القصص (le récit) والسرد (la narration) لتشكيل هوية سردية"[58].
بمقتضى هذا التشكيل تتحول الهوية بالرؤية الفلسفية المجردة إلى كيان مرحلي تتعاقبه أطوار تسلسلية تماثل مراحل التكوين البيولوجي لدى الإنسان، تتداخل ضمن نسق زمني يحدد الآليات وتتمظهر من خلاله أفعال الذات كتيار متدفق مهما زادت سرعته وهيجانه فهي تحافظ على شكلها الهوياتي، وفي هذا الصدد يطرح ريكور مثال يرى على أنه "يمسنا جميعا من قريب هو ديمومة الترميز الجيني لفرد بيولوجي، إن ما يبقى هنا هو تنظيم نسق تركيبـي، إن فكرة البنية المعارضة لفكرة الحدث تتمشى مع هذا المعيار للهوية، وهو أقوى ما يمكن من المعايير، هذه الفكرة تثبت الطابع العلائقي للهوية"[59].
غير أنه لا يمكن أن نستوضح حدود الفهم الريكوري للهوية دون الحديث عن أزمة الوعي داخل الحقل الفلسفي.

الصفحات