كتاب " الهوية والتواصلية في تفكير هابرماس " ، تأليف الناصر عبد اللاوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الهوية والتواصلية في تفكير هابرماس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الهوية والتواصلية في تفكير هابرماس
إذا كانت الهوية ذات أوجه عدة في الاستعمال، فإنّ هابرماس يتخذ منهجاً جديداً في بلورة دلالة الهوية، خصوصاً إذا ما اتخذنا إحداثية المجتمع من حيث هو الأفق الذي حاول هابرماس أن يرصد من خلاله المقاربة الفلسفية ضمن أخلاقيات الحوار. مما يجعل خطاب الهوية تفاعلاً ذاتياً يكشف في أرقى منازله الثراء الإنساني. افتتح هابرماس إمكانية التواصل مع الآخرين كقلعة للتفاعل. وتتخذ اللغة مداراً للتفكير العمومي من حيث هي وسيط رمزي. حيث إنه لا يمكن لأحد أن يبني شخصيته بمعزل عن أشكال التمييز الخاصة بالهوية التي يقوم بها الآخرون بخصوصه.
إذ إنّ الأمر لا يتعلق بالنظر إلى ذلك« بأشكال يقومون بها اعتماداً على موقف إنجازي كأطراف في التفاعل»(69). إن الموقف الأنتروبولوجي لم يعد هو مدار الاهتمام الوحيد، وإنما اللغة هي البراديغم الذي اتخذه هابرماس في إخراج إشكالية الهوية التداولية. وهو ما يجعل منها منعرجاً خطيراً في توجه هابرماس الألسني من خلال مناظرات سنضطلع بها في سياق بحثنا وذلك لتوضيح المنابت والأسس التي فكر من خلالها هابرماس واتخذ إزاءها موقفاً نقدياً.
فقد ربط هابرماس الهوية من خلال العودة إلى الحداثة كمشروع لم يكتمل بعد، أي برنامج التنوير، منظوراً إليه كمفهوم عملي يجد ثراءه في« إيتيقا الحوار التي ينبجس في ثناياها الفكر المابعد ميتافيزيقي»(70)، ويكون قادراً وفق التصور الهابرماسي على معالجة أزمة المشروعية التي تظل مرتبطة بالمعقولية الأداتية التي سلبت المعنى الذي يمكن اختزاله في الأفق الإيتيقي الكلي. وهو مايبرر حركة انتقال المفهوم من الميتافيزيقا التقليدية إلى مسار جديد يعنى بفلسفة التاريخ مما يسمح بإعادة بنية جديدة هي براديغم اللغة. وهذا التوجه الفلسفي يستحضره هابرماس في «العقل التواصلي»(71).
هذا التصور البراغماتي للحداثة، الذي يحاول أن يتجاوز الصيغة التأسيسية لميتافيزيقا الذات (مبدأ الذاتية)، ويمكننا أن نبصر الهوية من خلال معنى الوطن الذي يجد فاعليته في دلالة القومية. وهي تتشكل لدى كانط في إطار واقعة التنوير حيث تكون «استعمالاً عمومياً للعقل»(72). كما تتخذ مستويات الهوية عدة استعمالات في البحث الإنساني الذي يحاول هابرماس رصده. ومن بين هذه المقاربات، نقف على الشرط الثقافي للغة، ولاسيما أن هابرماس مفكر يهتم بالمناهج السوسيولوجية من جهة متابعته لأبحاث مدرسة فرانكفورت. وذلك قبل أن يمتحن المسائل الإيتيقية في المنعرج الألسني، فماهي دلالة الهوية في التناول الثقافي؟