كتاب " مساهمات في التنشئة الإجتماعية " ، تأليف د. زكي حسين جمعة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب مساهمات في التنشئة الإجتماعية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مساهمات في التنشئة الإجتماعية
2 ـ نظريات التنشئة الاجتماعية
هناك عدد من النظريات المفسرة والموضحة لعملية التنشئة الاجتماعية (8) .
( أ ) نظرية التحليل النفسي
تبين هذه النظرية عملية نمو شخصية الفرد ، وهي طريقة قائمة على تحليل التداعيات الحر ّ ة وتأويل الاحلام والافكار والافعال المغلوطة ، ولا سيما زلات اللسان . وكذلك هي قائمة أيضا ً على الاتصال الوثيق مع ممارسة تقنية خاصة مستندة إلى هذه الطريقة لعلاج الاضطرابات الع ُ صابية. وهي تقنية العلاج النفسي القائمة بصورة أساسية على تحليل ظاهرة الن ُ ق ّ لة .
وتعزو هذه النظرية أفعالنا إلى حركات اللاشعور . ويؤدي هذا إلى بروز ثلاثة عناصر أو قوى رئيسية في الشخصية الانسانية ، هي :
(-1أ) الأنا ( Ego - Moi) : أو الأنا الوسطى ، وتعدّ من منظار غيبي بمثابة الأصل ، الجذر او الأساس لتجليات الوعي والسلوك العينية .
وتدل على الذات ، الذات المتعالية ، مقابل الأنا الاختباري أي الفاعل المنشغل باختباره النفسي الفردي ، والمضطلع بدور الحامل الدائم للذاتية. ويقصد بها الذات بوصفها جزءا ً شعورياً ينمو حين يعي الإنسان ذاته ويبدأ بالتمييز بين نفسه وبين الآخرين ، ويبدأ بممارسة بعض الضوابط الذاتية . وتكون وظيفة الأنا الوسطى ، التوفيق أو إيجاد التوازن بين مطالب الآباء أو السلطة ، ومطالب الأنا . و « لتحقيق ذلك يمكن القول إن هذه الأنا تقوم عادة بعدة حيل دفاعية لحماية نفسها من الشعور بالقلق ، مثل التقمص والتعويض و التبرير و الاسقاط والعدوان ... » (9) . واستقلالية الأنا نسبية ، من الوجهة الفعالية والحراكية تمثل الأنا الوسطى ، القطب المدافع عن شخصية الإنسان .
ويرتبط مفهوم الأنا عند فرويد ارتباطا ً وثيقا ً بنظام ما قبل الوعي – الوعي . ويرى فرويد الأنا أنها ذلك الجانب من الشخصية الذي ينخرط في صراع مع الحياة الجنسية . وذلك تحديدا ً لأن الحياة الجنسية تهدد بطريقة من الطرق المصالح التي ت ُ عنى الأنا بالحفاظ عليها والدفاع عنها .
ويمثل حفظ الذات هاجس الأنا الأول والباعث على معارضتها للنزوات الجنسية . ورأى فرويد حتى عام 1912 أن القوى التي تحفظ الحياة هي القوى التي تنخرط في صراع مع النزوات الجنسية ، وأعطى هذه القوى اسم نزوات حفظ الذات او نزوات الأنا وهي النزوات التي تمث ّ ل الوظائف العضوية الكبرى كالاغتذاء وإخراج الفضلات والتنفس ، الخ .
فاجأ فرويد الوسط التحليلي في العام1920 : بمقالة له بعنوان «في ما يتعدى مبدأ اللذة» بأطروحة تؤكد وجود تعارض بين نوعين من النزوات: نزوات الحياة ونزوات الموت . وقد اصطدمت فرضية نزوة الموت بمقاومات جدية في الوسط التحليلي أيام فرويد ، ولا تزال هذه الفرضية تصطدم إلى اليوم بمثل هذه المقاومات .
(-2أ) الأنا الأعلى ( Sur Moi , Super - ego) : ينجم الأنا الأعلى عن منظومة الواجبات والمح َ رّمات التي تميز البيئة العائلية ( العيب الأخلاقي و العيب الاجتماعي ... الخ ) من غيرها وتعطيها طابعها الخاص ، لا لأنها منفردة ومستقلة عن محيطها ، وإنما لأنها تملك شخصيتها بوصفها أسرة ، وعن استبطان السنوات الأولى من حياة الفرد . ويتمثل بالضمير والوجدان ، وبشكل من احتواء الطفل لقيم مجتمعه ومعاييره من طريق الأهل والمدرسة والرفاق والمحيط الاجتماعي . وتعد هذه الأنا مستودع القيم والمثل العليا والمعايير الأخلاقية والروحية التي تبقى تشد الفرد نحو العمل الصالح والاتزان والتصالح مع المجتمع ، وبالمشاركة الاجتماعية الفاعلة . وهي تحرص على أن تكون عامل ضبط ذاتي أو مراقبة للأفعال والنوايا .
لقد عمد فرويد إلى تسمية موقع الأنا الأعلى بإسم الرقابة ، إلا أنه لاحظ أن جانبا ً من الرقابة يمارس وظائف الضبط والح ُ كم والاتهام ، وهي وظائف تستدعي أن جانبا ً من الشخصية يمارس هذه الوظائف . ولذا رأى فرويد أن جانبا ً من الأنا ينفصل عن جانب ٍ آخر ليتوج ّ ه ضد هذا الأخير ويفرض عليه نموذجا ً معينا ً، ويضبط اختياراته ، ويحكم عليه .