أنت هنا

قراءة كتاب وردة هي الحياة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وردة هي الحياة

وردة هي الحياة

كتاب : وردة هي الحياة " ، تأليف هنا فرح حلاحل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

صور في ذاكرتي

ربّّما هي الصورة الأولى في مخيّلتي، ممّا تبقّى لطفلة، في عمر الأربع سنوات، أنظر إلى أمّي، وقد انتفخ بطنها، لسبب لا أعلمه، ووالدي يتأبّط ذراعها، ويسيران معاً عند الغروب، ليعودا بعد ساعة تقريباً، حسب تقدير طفلة، على حسبان الوقت.

في صبيحة أحد الأيام الصيفية، تجمّع في بيتنا أناس كثيرون، من جيران وأقارب، وكأن شيئاً بأمّي، ما هو إلا بالغريب!..

وقفت سيّارة قرب منزلنا، فراعنا المنظر!.. فقد تركونا مع الأقارب، وأخذوا أمي وأبي، وسارت السيّارة، ونحن في ذهول!.. لا ندري عن وجهتهم أيّ شيء، ولا عن غيبتهم، إن كانت سوف تطول!..

كنت، وأنا ابنة الأربع سنوات، أهتمّ بأختي، ابنة السنتين، وأنتظر رجوع أهلي، بفارغ الصّبر، وأحاول إرضاء أقاربي، ممّن مكثوا في بيتنا لإدارة شؤوننا.

مرّت بضعة أيام، وعاد أهلي، ولكن مع طفلين صغيرين جداً!.. عادت الحركة إلى بيتنا، واجتمعنا حول أمي، وهي ترضع الطّفلين، في آن، بمساعدة جدّتي، وخالتي، ثمّ تعاد الكرّة، كلّ بضع ساعات!..

أناس عندنا طوال النّهار يمكثون!.. منهم من يساعد في حمل الرضيعين، ومنهم مَن يهتّم بمأكلنا وحمّامنا، ومنهم من يجلب الأغراض.

أجمل الأشياء كانت عندما كان يُطلب منّا أن نساعد، في جلب الماء، أو الصّابون، أو المنشفة، أو علبة البودرة؛ عند تغطيس التوأم، في الماء، وهما عاريان!..

"الطفلة أجمل! ولكن الطفل صبيٌّ!.. شعرها أشقر، وشعره أسود، ولكنّه صبيٌّ!.."

مضت عدّة أشهر، وكبر الطفلان، وارتأى والدي أن نذهب جميعاً إلى المصوّر، ليتخذ صوراً لأولاده جميعاً، فلبسنا جميعاً، أجمل ما عندنا، وركبنا السيّارة، متوجهين إلى العاصمة.

ما أن وصلنا، حتى قصدنا حانوت المصوّر، فأخذ صوراً لإخوتي الثلاثة، وأمّا أنا، فلم يصوّرني!.. وهنا حزنت جدّاً، ولم أعلم السّبب!.. وكان والدي يحاول أن يقنع المصوّر، بل يرجوه؛ لكن لا فائدة.

عُدنا إلى البيت، وبعد عدّة أيام كان في بيتنا جمع كبير من الجيران، يتفرّجون على صور إخوتي، وكنت أنا فرحة بالصّور، رغم الغصّة التي ما برحت في قلبي تتمدّد.

قالت لي أمي: "أنتِ كبرتِ! عمرك الآن فوق الخمس سنوات، لذلك لم تشملك منحة التصوير، لأنك لستِ بحاجة إلى شرب الحليب، من الماركة التي يروّجون لها، وأرادوا تصوير إخوتكِ للدعاية لهذا المنتج...

منذ ذلك الحين، وأنا بي شوق، إلى أن تُؤخذ لي صورة جميلة في كل مناسبة، وتُعرض في الصّالة، أو على المنضدة، أو على الرّف، أو تبقى في الجارور!..

المهمّ، أن أعرف قيمة جمالي، مثلي، مثل إخوتي، وأخواتي!.. هل هذا جزاء مَن لا يشرب الحليب؟! هل هذا جزاء من يكبر عن الخمس سنوات؟!..

أشدّ ما كان يقهرني، ويحزّ في قلبي، عندما كان يُقال عنّي بأنّي كبرت!.. لم أشعر بطفولتي، أو على الأقل، لا أذكر، سوى أنني مسؤولة عن إخوتي الصّغار!.. لم أتخلص من هذه المسؤولية، طوال حياتي!..

في عمر الثماني سنوات، طلب مني أهلي أن أرافق أختي الكبرى؛ وهي تكبرني بثمان سنوات أيضاً!.. فكبرتُ كثيراً، لأني سمعت أحاديث الكبار، ولأني تعلّمت أن: "كيف يتصرّف من يريد أن يوجد مع من هم أكبر منه سِنّاً!.." فلا أغلط!.. لبستُ ثياباً على طريقة الصبايا، ومشيتُ بأناقة، ورزانة الكبار!.. في العاشرة من عمري، أدركتُ، وأدرك أهلي أنّي صِرتُ مكتملة الأنوثة، مثلي مثل جميع الفتيات الحاضرات، لتقبّل الحياة، من بابها الواسع، حيث ينتظرهنّ النّصيب!.. فمصير الفتاة هو الزّواج!..

مرّة، كنّا نحاول تهدئة والدي، وهو يسأل عن أختي الكبرى، إن أتت من المدرسة أم لا!.. كانت أمي تحاول تهدئته، وكان أمام بيتنا أُناس كثيرون، ينتظرون رجوع أختي!..

و أطلّت أختي، متّسخة بالوحل، بل كلّها وحل!.. اختلطت صرخات فرح الاستقبال بالبكاء!.. كانت أختي حافية القدمين، ورجلاها مغمّستين بالتراب!..

سمعت النّاس يتكلّمون عن "أبو علي"!.. لم أفهم، وقتئذ، أنّ "أبو علي" ليس رجلاً، وقد آذاها! فقد عرفتُ لاحقاً أنه النهر الذي فاض، ودخل مدرسة أختي الداخلية، كما دخل الشوارع الطرابلسية، وجرف معه البيوت وروّع السكّان!..

الصفحات