أنت هنا

قراءة كتاب عباءة حب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عباءة حب

عباءة حب

كتاب " عباءة حب " ، تأليف ماري رشو ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

7

لا أذكر الآن. هل قصتي من الخيال ولم تخرج عن صفحات ورق؟ وهل هي رد اعتبار لوجودي وصرخة أثبت من خلالها مقدرتي على الاستجابة لرغبات رجل؟ وأن مفاتيحي قيد اهتمام محصور بنداءات رجل، وهمسات رجل، واشتياق رجل وحبّه؟

قبل مجيء رأس سنة آخر تبدلت كثيراً، بينما جهدت للمحافظة على سلوك أحببته في حياتي. كنت أكتشف كل يوم جمال ما أنا فيه، فلا يزال لديّ شيء جميل أستسيغه كما يستسيغه زوجي وابني، وكما يعتقد كل منهما أنه من صنعه، لأنني مثّلت ما يريدان على مدى عقود من الزمن، الزوجة الصالحة، الأم المثالية، السيدة المحترمة، أما بالنسبة إليّ، فلم يتعلّق الأمر بهما، وكلما تسرّب إلي ذاك الشعور الجميل أنتشي. فحين أعبر الأمكنة، تتساقط النجوم من حولي، ويبرق في داخلي شعور التميز الجميل.

جميل ورائع هذا الشعور. يحثّ على الاستغراق. يغني. ينقلك إلى الفرح. الحب. الاستمرار.

كلما استعدت هدوء الماضي أجفل، فأضيع بين التوقف والاستمرار. تتجاذبني قوتان. بين الدخول في مد مذهل له علاقة بالفرح وبين العودة إلى فرح له علاقة بالاستسلام. ولا أدري كيف تباغتني فكرة بتر كل ماهو دخيل على الماضي، فأشحذ من الذاكرة قوة تماثل ثقتي، في محاولة مني للهرب.

مر أكثر من يوم، لم أرك أو أسمع صوتك فيه. اكتشفت ذلك الصباح ضعفي وأنا أعد دقائق غيابك، واكتشفت أيضاً قوتي وأنا أحلم أن تطيل الغياب. أن تبتعد إلى ما لانهاية. أن يأتي القرار منك. كي تضع لي حلاً، فقد اكتشفت عجزي عن وضع النهاية، وبالتالي ستساعدني كي أتحرر منك. كي أصبح في أمان.

جميل أن أفكر بزوجي وابني، أمسح غبار الطنافس والمناضد والصور، أجلب الزهور وأشم عبق البنفسج، وأتحرك في حديقة البيت بحرية لا يحدّها طوق.

جميل أن أهتف إلى نعمة كي نلتقي مساء.

مر يوم آخر، لا يكاد زوجي يعود من العمل ويقضي حاجاته المنزلية، حتى يستعد للخروج. أعرف أنكما على موعد.

لا يكاد يخرج، حتى يأتيني صوتك عبر الهاتف متسائلاً: أين هو؟ ويعقبه السؤال الآخر، كيف أنت ومن ثم سؤالك إن اشتقت لرؤيتي.

أغلق الهاتف وقلبي يخفق بجنون، تتداعى قوتي، يصبح لكلماتك وصوتك فعل السحر، تنهض ذكراك من جديد، فلا أستطيع التجاهل أو النسيان، ها أنا أهرب منك إليك. أهرب منك لأعود إليك. ففي كل زاوية صورة لك، وبالرغم من قلة عددها، إلا أنها مرتسمة في أكثر من مكان، حين تعبر الحديقة أو حين تستند إلى المدخل، حين تبتسم أو تشق الباب، أو حين يسبقك صوتك متسائلاً: أين هو؟ زوجي الذي ينتظر قدومك بفارغ الصبر لتنطلقا، وأنزوي مستعيدة آخر النظرات وآخر الرسائل، لأنهض أنا ومشاعري وكل ما بي. أنتقل من حالة إلى أخرى. تنقلب الأشياء فأنسى وأكتشف استمرار الجمال من خلالك، يصبح للأشياء معنى. للكلمات. لوقفاتك المتقطعة، فأتجدّد وأصمّم على المتابعة. على العيش. وأتساءل كيف اكتشفت أسراري؟ كيف عرّفتني على أشيائي؟ هل هو رضوخ أو استسلام؟ هل هو استجابة لأسئلة كادت تكون بلا جواب؟ ماذا أسمّي ما أنا فيه؟ ماذا أجيب نفسي إن سألتني هذا السؤال؟ ماذا أقول لعطرك الذي استوطن في الذاكرة؟ عطرك الذي يتبرعم في كل الفصول، ماذا أجيب مرآتي إن شدّدت على السؤال؟ أي رسام رمّم بصمات السنين؟ من أعاد لعيني البريق؟ كيف تطفو همسات قلبي إلى ما فوق الجبين؟ ماذا أقول إن وجدت في العيون أكثر من سؤال؟ ماذا سأفعل إن همست اسمك من دون انتباه؟ من أنت؟ من هو؟ وهل سأهرب أو أعترف؟ وتلك اللحظات كيف سأكون؟

كلما بحثت عن هروب، أشعر بعجز كبير، وأتحرك بصعوبة في أرجاء البيت أو في الحديقة الواسعة، أرى نفسي ألهث إعياء، أحاول استعادة قصص من الذاكرة، أحداث لها طعم الفرح، علّها تنتشلني من الحاضر.

هل يبعدني الماضي عنك، أو هو تجديد للحاضر؟ ها أنذا أدور في عالمك أكثر، أسقط من جديد في بؤرة الصدى، هالة من ذهول تغلف جسدي وروحي. تتحرك بحركتي. تبعدني كل لحظة عن كل ما كان وأنسى.

ما الذي أنا فيه؟ كيف أنقلب لأتفه الأسباب؟ لم يعد لقراراتي دور، لم يعد لذاك الجمال فعل، ليس من معنى لأن أقول أو لا أقول، ترتبط النتائج بالآن أو بلحظة قادمة، بقرار تفرضه أنت، وعليّ الاحتفاظ بآخر الرسائل، كي أوقع على التنفيذ.

الصفحات