أنت هنا

قراءة كتاب بالأمس كنت هناك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بالأمس كنت هناك

بالأمس كنت هناك

كتاب " بالأمس كنت هناك " ، تأليف زياد أحمد محافظة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 2

باريسُ وجهتنا هذه المرة. لقد سبقَ وأُجِّلت تلك الرحلة بعد أن كنتُ على وشك القيام بها من قبل. كان تأجيلها غيرَ متوقع، لكن كان له حينها ما يبرره. أخبرني سعيد اليابس وقتها وأكد لي مسيو شوران حين التقيته في باريس لاحقاً، أن الرحلةَ قد أُجِّلت، لأنهم لم يتمكنوا من استخراج التصاريح والموافقات اللازمة لهذا الغرض من النشاطات. فمثلُ هذه الأمور يتطلبُ القيامُ بها الحصولَ على موافقات من جهات أمنية وإدارية وبلدية، وقد يمتدُّ الأمر للحصول على موافقات من مؤسسات تعنى حتى بالبيئة والحياة الفطرية.

ونظراً لضيق الوقت المتاح حينها لاستخراج كل تلك الموافقات والتصاريح، أُجّلت الرحلةُ لأنه لا يمكن القيام بها دون أن تكونَ الشركةُ قد أمّنت موافقة الجهات المختصة. لم تتم الرحلة الأولى كما كان مخططاً لها إذن؛ طولُ الإجراءات وضيق الوقت حالا دون إتمامها، على الرغم من أن توقيتها كان مثالياً بالنسبة إلي، وكنا نستطيعُ أن نجعلها أنا وسلمى رحلتنا السنوية لذاك العام. أما هذه المرة فقد تم التحضير للرحلة مبكراً من قبلهم، وحصلت الشركةُ على كل التصاريح والموافقات التي تحتاج إليها، لكن توقيتها لا يسير في اتجاهي خصوصاً وأنني لم أُبلّغ بموعد السفر سوى منذ فترة قصيرة.

لم يكن توقيتُ الرحلة مناسباً لسببين، أولهما أنني كنتُ قبل عدة شهور مع سلمى في إجازة صيفية ممتعة، لكن على الرغم من أن لتلك الإجازة طعماً لا يزال حلواً في البال، إلا أننا أمضينا فترة طويلة بعدها نعيدُ ترتيبَ أمورنا المالية والتزاماتنا التي بدت وكأنها لا تنتهي. أما ثانيهما فهو بسبب بدء العام الدراسي الجامعي، وصعوبة الحصول على إجازة خلال تلك الفترة من السنة؛ فالالتزامات عديدةٌ ويحتاجُ الأمرُ إلى جهد مضاعف، لكن كل هذا يمكن تدبيرهُ وإيجاد حلول له، فهذه الرحلةُ وبما أعقدُ عليها من آمال، يمكن أن تشكلَ نقلةً حقيقيةً في مشواري العلمي والعملي... وقد كانت كذلك.

في آخر لقاء جمعني بسعيد اليابس، وبعد أن كان التعاون قد بلغ بيننا مراحل متقدمة، طلب مني الاستعداد والتهيؤ للسفر إلى باريس. قال لي إن سفري إلى باريس قد أصبح ضرورياً لتنفيذ عدد من مشاريع الأبحاث التي سبق وقدمتها، وتمت الموافقةُ عليها خلال الفترة الماضية من التعاون العلمي. أضاف وهو يتحدثُ بحماس عن الرحلة وأهميتها، إن الأفكار والتصورات التي قدمتها خلال الشهور الماضية، وجدت اهتماماً من قبلهم، وأعطت مؤشراً على أننا نسير معاً باتجاه واحد. شجّعتني كلماته تلك، وكان عليَّ عندئذ التفكيرُ في ترتيب أمور عديدة لأضمن القيام بهذه الرحلة بشكل ميسّر، ودون أن يؤثر ذلك على عملي في الجامعة.

كانت سلمى أول من خطر على بالي حين أخبرني سعيد اليابس بموضوع السفر. كنتُ في غاية السعادة وأنا في طريق عودتي إلى البيت لأطلعها على ما لدي من أخبار، ومع ذلك فقد كنتُ قلقاً من ردة فعلها على رحلة خاطفة كهذه؛ فسلمى تحبُ الاستعدادَ المسبق لكل عمل، لكن للمفاجأة دوماً دوراً لا يمكن إغفاله. حين وصلتُ إلى البيت كانت في الحديقة التي لا تملُّ الجلوس بين أزاهيرها، تستمع إلى فيروز وتستمتعُ بنسمات هواء من بقايا صيف طويل.

دخلتُ مسرعاً وباغتها بحضوري لأقطعَ عليها شروداً أنثوياً جميلاً.. قبل أن أجلس بجانبها وأطبعَ على خدها قبلةً مسائية بادرتها بالقول:

- لدي لك شيءٌ جميل.

فاجأها حديثي بتلك الطريقة، وقبل أن أتركها تجيب، أتبعتُ عبارتي الأولى بالقول:

- ما رأيك في رحلة إلى باريس؟

هزّت رأسها باندهاش وقالت:

- باريسُ مرةً واحدة؟ ما هذه الاقتراحات المسائية، أهي واحدةٌ من مداعباتك؟ على الرغم من أنك لا تبدو في مزاج للدعابة..

أجبتها وأنا أكثر جدية:

- من قال لك إنني أمزح؟ أقولُ لك باريس.. وأطلتُ نُطقَ الكلمة الأخيرة.

لم تتمالك سلمى نفسها فأجابت بتهكم:

- أخافُ أن يكون هذا عنوان فيلم سينمائي جديد تدعوني إلى حضوره الليلة، كفاكَ مزاحاً وقل لي ماذا بك؟

قلت لها:

الصفحات