كتاب " بالأمس كنت هناك " ، تأليف زياد أحمد محافظة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب بالأمس كنت هناك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

بالأمس كنت هناك
- أتمنى أن تكون جاهزاً غداً في الثامنة صباحاً لو سمحت، سأمرُّ لاصطحابك في سيارتي، أرجو أن لا تتأخر عن الموعد.
قلت له كأنني أُصححُ له الأمر:
- هل هذا تعديلٌ مفاجئ في برنامج العمل؟ أظن أن بدايتي ستكون بعد غد.
رد بسرعة كمن يعتذر:
- أنا آسف على أي إرباك قد يسببه لك هذا. لقد طلب مني مسيو شوران أن آتيك إلى الفندق لأطمئن إلى سلامة وصولك ولأبلغك أيضاً بهذا التعديل، لكن أرجو أن تتدبر الأمر، سأكون في انتظارك صباح الغد.
قلت له:
- أشكرك على ذلك، لكن ليتني عرفت هذا مسبقاً، على كل حال سأكون جاهزاً في صباح الغد.
تحججت سلمى برغبتها في الصعود إلى الغرفة لإعطائنا حرية أكثر في الحديث، فما كان من الرجل إلا أن قال بلباقة:
- لا عليك سيدتي فقد أبلغته ما أريد.. تصبحون على خير، وتوجه مسرعاً نحو باب الفندق.
قلت لسلمى ونحن في طريقنا إلى الغرفة بعد أن ودّعنا الرجل:
- أظنه أحدُ موظفي الشركة، لم أكن أتوقعُ أن أجدهُ في الفندق لأنني أعرفُ برنامجَ العمل وآلية التحرك مسبقاً، وقد تم الاتفاقُ على هذا من قبل، لكنهُ تعديلٌ في البرنامج لا أعلمُ غايته.
قالت لتجعلَ الأمرَ عادياً:
- لا أظنُّ أن هذا يعرقل لنا أي شيء، فلا تقلق.
حين وصلنا إلى الغرفة بدا التعبُ جلياً على سلمى، تعبُ الرحلة والتجوال المسائي، نزعتْ من قدميها حذاءً خفيفاً كانت تنتعله ثم خلعتْ ملابسها، ولبستْ ملابسَ النوم وتوجهتْ من فورها نحو السرير. قلتُ لها لأعرف بماذا تفكرُ للغد:
- سأبدأ إذاً من صباح الغد.
أجابتني وهي تستلقي على طرف السرير:
- لا عليك، ولا تشغل بالك فأنا سأتدبرُ أمري، قد تكون فرصة جيدة لتُنهي التزاماتك العلمية مبكراً...كل ما أريدكَ القيام به الآن هو أن تخلدَ إلى النوم لتستيقظ غداً باكراً، حتى لا تتأخرَ عن الموعد، فالرجل سيكونُ بانتظارك في البهو عند الثامنة صباحاً كما قال.
سألتها وأنا أستعدُّ لمشاركتها في السرير:
- هل عندك أي برنامج ليوم الغد؟
- قلت لك لا تقلق بشأني، سأكون على خير ما يرام وسأتدبر أمري، المهم أن تؤدي أنت ما هو متوقع منك.. تعال واستلق بجانبي.
تذكرت على الفور كمال، فقلت لها:
- أريدُ قبل ذلك أن أتصلَ بكمال لأبلغه بوصولنا، ولنتأكدَ أيضاً أن حديقتك تحظى برعايته واهتمامه.
ردت وقد رمقتني بنصف نظرة:
- هل تتهكمُ على حديقتي؟
ضحكتُ.. وقبل أن أجيب قالت بسرعة:
- حسناً لن أهديكَ شيئاً منها بعد الآن.. واندستْ من فورها في الفراش.
خلال دقائق كنتُ بجانب سلمى في السرير أسترجعُ معها تفاصيل يومنا.. أمضينا ساعات طويلة في الطائرة وحين وصلنا بدأنا بالاكتشاف والمتعة، بعد ذلك ومهما طالَ طوافكَ لا بد أن ينتهي بك الأمرُ في الفراش... حينها تتزاحمُ الصورُ والمشاهدُ التي اختزنتها في عقلك لتأخذ نسقاً لا يستقر بك على حال.
بعد دقائق من دخولنا في السرير، دخلت سلمى في نوم عميق، بينما بقيتُ أنا يقظاً فترةً ليست بالقصيرة، كنتُ أفكرُ في عشرات الموضوعات دون أن أركز على شيء محدد. رحتُ أفكرُ في هذا التعاون الذي قادني إلى باريس هذه الليلة، لأصنعَ فيها ما فكرت فيه طويلاً وشغل بالي على الدوام. فرَّ النومُ من عيني.. ربما هي عادتي حين أكون في مكان جديد، أقضي وقتاً طويلاً أتعرف إلى المكان حتى آلفه... وقبل أن أتوهَ في زحمة الأحلام، أفكرُ ملياً في أولى الخطوات التي عليّ القيام بها صباح الغد، بعد ذلك أُغادرُ هذا العالم وأُسلم ذاتي طواعيةً إلى عالم النوم الذي وصفه هيراقليطس بالقول "الناس المستيقظون، ليس لهم إلا عالم واحد. أما النائمون، فلكل واحد عالمه".

