رواية " السجن " للكاتب السوري نبيل سليمان، نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب السجن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

السجن
الصفحة رقم: 3
ـ 2 ـ
زُجَّ وهب بفظاظة في القسم الخلفي من سيارة لاندروفر صغيرة، بينما جلس الشاب الذي كان يصدر الأوامر في القسم الأمامي. أما الثلاثة الآخرون فقد أحاطوا بالغنيمة الجديدة من كل جانب.
خيم الصمت لحظة، سمع بعدها وهب هدير سيارة عابد، ثم اختلط عليه الصوت بهدير سيارة أخرى. كان رأسه مشدوداً إلى أسفل، لكنه مع ذلك كان يبصر ما حوله جيداً. وأحسّ بالأسف لأنه لم يمتلك هذه الرؤية كلها قبل قليل.
ـ أنت وهب إذن؟ أنت تعرفنا بالطبع؟
جاء الصوت، من ناحية الشاب، مشحوناً بالاستفزاز والسخرية، فَأَذِنَ وهب للغيظ أن يتكوم في نواحي الصدر: كان هذا الوقح مع عابد فهل تركه وحيداً؟ أو ليس معه الآن من يقول له هذا الكلام الرائق؟
أردف الشاب:
ـ أنا...
فقاطعه الرجل الذي يجاوره في المقعد:
ـ النقيب هاشم.
صوت الجار خشن. تريث وهب في إيماءة الرأس. ضحك النقيب:
ـ معرفة سابقة؟ هه؟
أجل، لقد عرفتك يا سيادة النقيب. وهل فينا من يجهلك؟ صيتك ذائع في كل خلية، وليس فينا من لم ير وجهك أو يطالع صورتك. لقد وصلت إليك أخيراً. رائع.
لم يتح لوهب أن يسترسل. قال النقيب وهو ينظر إلى الأمام:
ـ لماذا ورطت المسكين؟ لماذا تفعلون دائماً؟ الناس في بيوتها آمنة مطمئنة حتى تأتي سوستكم فتخرب الأول والآخر.
قرر وهب ألا يستمع، والتفت خلفه باحثاً عن المسكين المورّط، لكنه وقع على سيارة لاندروفر أخرى. أتراها كانت تترصد في الزاوية الثانية؟ حاول أن يتمعن في رتل السيارات الذي انتظموا فيه منذ دخلوا الساحة، لكن الرجل المقابل لكزه منتهراً:
ـ سيادة النقيب يكلمك. أطرش؟
فوجئ باللكمة. لم يتألم، لكنه صبّ عينيه فوق الرجل الذي أردف مشيراً صوب النقيب، كأن شيئاً لم يكن:
ـ هناك انظر هناك.
انصاع وهب وهو يزداد اضطراباً وإثارة. ثم وجد أنه على النحو الجديد، يستطيع أن يتملى من الشارع والسيارات والدكاكين والناس بصورة أفضل. وفكر في أن سيارة عابد قد تكون هناك، حيث لا يستطيع بصره أن يدركها. بيد أنه لم يشك في أنها آتية إلى حيث تذهب هذه السيارة به.
ـ أرجو أن تكون عاقلاً مثل رفيقك.
سمع وهب النقيب يخاطبه، واستمر في تلصصه عبر زجاج السيارة الأمامي وهو يفكر: خمسة شهور من الحرمان والتخفي. استشعر غصة حادة في قلبه لأنه التقى بالدنيا، بعد انتظار مرّ، عكس ما يرسم. بلع ريقه وأوشك أن يتعزى، مغرياً ناظريه بالتهام كل ما تقعان عليه. إنه يبصر جيداً. حتى السيقان التي تبرق تحت أضواء الإعلانات الكهربائية، ترتسم له حارة آسرة. ويبدو أن استغراقه طال، فقد التفت صوبه النقيب محتداً وصرخ به:
ـ ألا ترد يا كلب؟ وقبل أن يفيق من المفاجأة، سمع تحقيراً أقذر من الذين يحيطون به، ولمح تهديداً بالضرب، ثم رأى النقيب أخيراً يوصي بالصمت والانتظار، فأحس بالامتهان، وانقلب غيظه قهراً، وود لو أنه كان يقدر على أن يخرس هؤلاء،’ لفعل إذن، ثم نمت نقمته، لتصفع كل الذين يتسببون بالقهر والامتهان.