كتاب " حوارات في التدخل الديني والسياسي " ، تأليف راتب الحوراني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب حوارات في التدخل الديني والسياسي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حوارات في التدخل الديني والسياسي
هذه المداخلات ما هي إلّا مساهمة متواضعة في عملية نقد وتفكيك للفكر الرجعي التراجعي الذي لا ينظر إلّا إلى الوراء بحثاً عن نموذج مدفون أو محنط في نعوش من ورق مطلي بالحبر، وكأن الحقيقة هناك في الماضي البعيد رافضاً سنّة الحياة: التطور نحو المزيد من المعرفة العلمية بحقائق الكون ونحو المزيد من حرية الكائن واغتنائه بمضامين إيجابية تملؤه فرحاً ومحبة... ومن ظواهر الفكر عامة هناك الفكر الديني الذي يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ويعتبر الباقين في ضلال أثيم. ومن الفكر الديني ما هو قابل للتطور، يتطلع إلى الأمام بثقة وتفاؤل ويؤمن بالإنسان إيمانه بخالق عادل بريء من السادية وحب الانتقام والتعذيب. في حين أن العديد من الدول القائمة على أحكام العقل البشري قد ألغت حكم الإعدام كما ألغت كل أشكال التعذيب والعقوبات الجسدية من قوانينها، وأقلعت عن اعتبار الحب بين البشر جريمة عقابها أشنع أشكال الموت. وما زالت هناك مجتمعات، لا دول وحسب، بل مجتمعات تقبل بالتسلط على الضمائر وعلى المشاعر من حب وكراهية لتجعل منها شأناً عاماً بينما الشأن العام ما زال ملكية خاصة للحاكم وحاشيته.
الصراع محتدم بين هذين التيارين في الفكر. فلا هوادة ولا مهادنة في صراع الأفكار ولكن ضمن الاحترام المطلق لشخص الآخر، لا لرأيه، وإن كانت أفكاره على النقيض من أفكاري!!!
عشرون موضوعاً مستقل بعضها عن بعض على الرغم من أنها تتصل بشكل أو بآخر في معالجتها لمسائل متداخلة كل التداخل. ومما يجمع بين هذه المواضيع ملاحقتها للفكر المتنكر لمكانة الإنسان في هذا الكون وكأنه لم يأت إلى هذا العالم إلّا للعبودية في خدمة أسياد نصّبوا أنفسهم أصحاب سلطة مطلقة مستمدة مباشرة من كائن مطلق مفترض على صورتهم ومثالهم، وتمادوا في تسلطهم على النفوس الضعيفة المستضعفة المسلّمة أمرها لأولي الأمر. وقد عزّ هذا الأمر الواقع على النفوس العزيزة التي ترى في الإنسان، هذا الكائن الفرد الصغير المحدود في الزمان والمكان، محل الحقيقة ومصدر القيمة وتجلياً للكائن المطلق بامتياز. هذه النفوس العزيزة المعروفة بترعتها الإنسانية ترفض العبودية بكل أشكالها وتدافع عن حريتها المطلقة بكل أبعادها اللامتناهية. فالحرية الشخصية تعريفاً هي:
مسؤولية الشخص نفسه عن مصيره بنفسه وعن إنسانيته/ الإنسانية جمعاء!
رد على «نداء الحرية»
يا نداء الحرية، إنك قد أحسنت الملاحظة. أنا حذر جداً تجاه كل الإيديولوجيات.
أنا لا أخشى القومية من حيث هي انتماء الى جماعة تشدّني إليها روابط عديدة من تاريخ مشترك وثقافة مشتركة وبصورة أخص اللغة المشتركة. وأردد مع محمود درويش: «هويتي لغتي، ولدت بين قبيلتين على طريق الهند!». فأنا قومي بالفطرة إذا صح التعبير. ومن منا ليس بقومي بمشاعره وعواطفه؟ ولكن هذا الانتماء أقرب إلى المعطى الطبيعي منه الى الانتماء المبني على الاختيار الواعي.
ولكن أخشى الإيديولوجيا على اختلاف مشاربها، بما في ذلك الإيديولوجيا القومية. فالقرن العشرون كان غنياً بتجاربه التعيسة مع العقائديات القومية والأممية، عداك عن العقائدية الدينية التي سادت قروناً من الزمن بدون منازع، وما زالت تسود في عدد من البلدان، وهي تشد بها، أي بهذه البلدان إلى عصور الظلام البائدة جاهدة في زج الحياة في قوالب جاهزة تعود إلى مئات، بل آلاف السنين الغابرة، وإن كانت هذه القوالب في حينها تلبي الرؤى السائدة في ذلك العصر.
أما في عصرنا هذا، فقد أدى تطور المعارف العلمية والفكر الفلسفي والاجتماعي والسياسي إلى سقوط كل العقائديات أمام العلم. لا عقيدة في العلم ولا سقف للتساؤل الفلسفي؛ وفي الوقت الذي تدعو فيه الإيديولوجيا، الدينية أو غير الدينية، إلى الطاعة لنظام أو لحزب أو لزعيم، نجد العلم والفكر الفلسفي يحثّان على التساؤل والمعرفة.
بأي حق، ونتيجة لأية دراسة مقارنة يمكنني القول «إنّ قومي خير الأقوام»؟ مثل هذا التساؤل أدى ويؤدي إلى سقوط صيغة أفعل التفضيل!