كتاب " حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة " ، تأليف منير غبور / أحمد عثمان ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة
هل كانت الإسكندرية يونانية؟!
يعتبر المؤرخون الكلاسيكيون أن الإسكندرية لم تكن جزءاً من الأرض المصرية، بل كانت مدينة يونانية بنيت عند حدود مصر، وهذا هو الرأي السائد اليوم في جميع مراكز دراسة التاريخ في العالم. ولهذا فإذا أردت الحصول على كتاب يتعلق بتاريخ الإسكندرية في أية مكتبة أو متحف في العالم، فأنت لا تجده في القسم المصري وإنما في القسم اليوناني، وهذا هو ما يؤكده بيتر جرين أستاذ الدراسات الكلاسيكية في جامعة تكساس عندما يقول: "لم تكن الإسكندرية في مصر بل كانت عندها".(10) لكن هذا الرأي لم يظهر لدى الباحثين إلا منذ منتصف القرن التاسع عشر، بينما كانت الإسكندرية قبل ذلك التاريخ تعتبر دائماً مدينة مصرية وجزءاً من تاريخ مصر الفرعوني. ففي قرار صدر عن سكان مدينة ديلوس عندما كانت الجزيرة خاضعة لبطليموس الثاني، ورد ذكر "الإسكندرية التابعة لمصر".(11) وليس هناك مصدر واحد من المصادر الكلاسيكية يتحدث عن الإسكندرية على أنها مدينة يونانية. وقد تحدث ثلاثة من الكتاب الذين زاروا الإسكندرية عن وضع المدينة في عهد البطالمة، وكتبوا عن تاريخها في تلك الفترة، وهم بوليبيوس وديودوروس واسترابوا، الذين تحدثوا جميعاً عن الطبيعة المصرية لهذه المدينة التي يسكنها أناس من جميع أنحاء العالم.
بوليبيوس هو سياسي ومؤرخ يوناني شاهد سقوط المدن اليونانية تحت سلطة الرومان، وزار الإسكندرية بين 145 و 116 قبل الميلاد، وكتب بوليبيوس يصف ما شاهده شخصياً في الإسكندرية خلال زيارته، ومع هذا فهو لم يتحدث عن المدينة باعتبارها يونانية، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد ذكر أن المدينة التي زارها خلال القرن الثاني قبل الميلاد، كان طابعها مصرياً أكثر منه يونانياً: "زيارة خاصة للإسكندرية ملأتني بالنفور... فالمدينة... يسكنها ثلاثة أجناس - المواطنون المصريون وهم جنس ذكي متحضر، والجنس الثاني من الجنود المرتزقة... الذين تعلموا كيف يتحكمون بدلاً من أن يطيعوا (الأوامر) نتيجة للشخصية الضعيفة للملوك، والجنس الثالث هم السكندريون... وهم أفضل من الجنس الثاني، فرغم كونهم جنساً مختلطاً، فهم أصلاً من اليونان كما احتفظوا بمجموعة من المبادئ اليونانية، لكن هذا الجنس الأخير يكاد يكون قد انقرض بفضل يورجيتس فيسون (بطليموس الثامن)، الذي زرت الإسكندرية في عهده".(12)
كما تحدث استرابو الجغرافي الذي زار الإسكندرية بعد بضع سنوات من سقوطها في يد الرومان عن هذه المدينة - كما رآها حوالي سنة 25 قبل الميلاد - مؤكداً أنها كانت مصرية وليست يونانية: "من المستحيل تحديد ما إذا كانت الإسكندرية (التي هي) في مصر، تقع شمالي أو جنوبي بابل".(13)
ليس هناك مصدر كلاسيكي واحد يعود إلى فترة البطالمة يتحدث عن الإسكندرية بوصفها "عند" مصر. بل على العكس - كما رأينا من أدلة بوليبيوس واسترابوا - كما كانت الإسكندرية هي عاصمة البلاد بها المقر الملكي، فهي جزء من مصر جغرافياً وثقافياً، وعلى هذا فلا يوجد دليل يدعم الزعم بأن الإسكندرية نشأت كمدينة يونانية، مستقلة عن بقية الأراضي المصرية. حقاً كانت الإسكندرية مدينة ذات أجناس متعددة - كوزموبوليتان - جرى بناؤها لتحقيق حلم الإسكندر الأكبر في التوافق بين الشعوب، هنا عاش المصريون جنباً إلى جنب مع المقدونيين واليونان واليهود والعرب الأقباط والفينيقيين والليبيين والفرس والأفارقة. ورغم انتمائهم إلى أعراق مختلفة، فقد عملوا سوياً لإنتاج أول نهضة حضارية في تاريخ البشر، وأصبح معبد السرابيوم بالإسكندرية مركزاً عالمياً للمعرفة والحكمة واحتوت مكتبته نسخاً لكل فروع المعرفة، جرى تجميعها في مكان واحد من كل مصادر الحضارات القديمة، فهنا تم التعرف للمرة الأولى إلى توراة موسى وإنجيل المسيح وفلسفة هرمس، جنباً إلى جنب مع كل فروع معارف العلوم الطبيعية.