كتاب " على قلق " ، تأليف حسام عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب على قلق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
على قلق
مقدمة
لم تكن سهلة مهمة كتابة مقال اسبوعي للصفحة الاولى في "السفير". وربما لم تكن ممتعة.
سبب الصعوبة عبء المسؤولية التي يفترض بكل من يكتب على الصفحة الأولى أن يدركه. فها هنا ليس تعليقا في صفحة داخلية، كانت صحيفتنا تتيح حرية مشهودة في كتابته. بل انك الان تقترب من تعقيدات المواقف كلها ومن ضرورة مخاطبة قارئ يختار "السفير" لأنها تحمل تاريخا ورأيا.
الكلمة تخضع هنا لمعيار مختلف عن ذاك الذي اعتاده المرء قبل أن يدعوه رئيس التحرير إلى المساهمة في مقالات الصفحة الاولى. المزاج اثقل واليد أبطأ على لوحة المفاتيح.
المسؤولية والبطء والمزاج الثقيل، قتلت معاً متعة الكتابة. قتلت الحرية في اختيار الأوصاف والكلمات التي كانت تدفع الناشر أحياناً إلى الاحتجاج على أنها "كتبت بالسكين". ولعل هذا ما يعطي معنى جديداً لما قصده رولان بارت من عنوان كتابه "متعة النص". معنى يحول الكتابة إلى عملية دقيقة لا يفترض أن تداخلها رشاقة قد تفسر كخفة أو دعابة يمكن أن تُقرأ كإهانة أو أي التباس مقصود أو غير مقصود. فتتبخر المتعة ويبقى النص حاملاً هم الإفصاح عن فكرة في السياسة اليومية، أو ربما أعمق قليلاً.
ليس مقال الصفحة الأولى، وخصوصاً في "السفير"، هو المجال المناسب ليبحث الكاتب فيه عن متعته الأدبية. هو مجال للتعبير عن الاسئلة الصعبة التي تواجه بلادنا العربية، أو لنقل أنني هكذا فهمته على الأقل. كما سعيت في المقالات التي أتيح لي أن أنشرها على صفحة "السفير" الأولى، أن أرسم أبعاد الواقع كما عاينته، لا كما أتمنى.
مهما يكن من أمر، هذه نصوص قصيرة كتبتها على امتداد عام ونيف، مستفيدا من الفرصة التي أتاحها لي ناشر "السفير" ورئيس تحريرها طلال سلمان. وهي مثل كل نص، مقدمة إلى امتحان القارئ.
فوضى مجتمعات ودساتير
تكاد منطقتنا تتخلّع بين مصيرين يتجاذبانها: فوضى شاملة يقابلها جمود شامل. وفيما يبحث أهالي البلاد المبتلية بالآفة الأولى عن سبل للتخفيف من سرعة الأعاصير التي تجتاحهم، لا يبدي أهل الدول الرازحة تحت عبء الجمود، مبالاة بما قد يصل إليهم من جيرانهم.
ليس يكفي الحديث عن «فوضى خلاّقة» تفتّق عنها ذهن هذا المسؤول في الإدارة الأميركية أو ذاك، لتفسير جسامة ما يعيشه عالمنا العربي من أزمات. فنحن، حكومات المنطقة وشعوبها، لم نبخل على أميركا، وهي «سبب كل مصائبنا»، على ما يقول شعار شهير، بالمساعدة وبمد يد العون لنشر ما ترى وتريد، أكان فوضى أم جموداً، وفق ما تتطلب الحاجة. سننحي جانباً نقاشاً لا فائدة ترتجى منه عن أيهما أفضل، الفوضى أو الجمود، الذي يمت بصلة إلى نقاش الثنائيات العربية الشهيرة (الأصالة أو الحداثة، العقل أو النقل، الدين أو العلمانية..) لننصرف إلى قول كلمة في مجال آخر.
ولنا في السجال الدستوري والقانوني في لبنان ومناطق السلطة الفلسطينية والعراق، أمثلة. وها هما خطا المواجهة والحلول المقترحة في لبنان، يسيران جنباً إلى جنب على أشلاء الدستور اللبناني وتعديلاته ومقدمته. ومع اقتراب مواعيد الاستحقاق الدستوري الأهم، انتخاب رئيس الجمهورية، لا تطرح سوى مشاريع حلول تحط أيما حط من مكانة الدستور وقيمته. والدستور ليس قيمة عليا في ذاته، على ما هو معروف، بقدر ما هو رمز لتوافق المواطنين على نظام يرعون بعضهم بعضاً بواسطته.